للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه، ولهذا قال:"استأثرت به"، أي: انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالمسمى به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه. ومن هذا قوله عليه السلام في حديث الشفاعة: "فيفتح علي من محامده بما لا أحسنه الآن" ١. وتلك المحامد هي بأسمائه وصفاته. ومنه قوله: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ٢.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة" ٣. فالكلام جملة واحدة.

وقوله: "من أحصاها دخل الجنة" ٤. صفة لا خبر مستقبل، والمعنى: له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا كقولك: لفلان ألف شاة أعدها للأضياف فلا يدل على أنه لا يملك غيرها. وهذا لا خلاف بين العلماء فيه.

وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ٥، أي: اتركوهم، وأعرضوا عن مجادلتهم، قال ابن القيم: والإلحاد في أسمائه: هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل، كما يدل عليه مادة اللحد، ومنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه اللمحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل.

إذا عرف هذا فالإلحاد في أسمائه:

أحدها: أن يسمي الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهًا، وهذا إلحاد حقيقة، فهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.

الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أبًا وتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.

وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص، كقول أخبث اليهود: إنه فقير،


١ البخاري: تفسير القرآن (٤٧١٢) , ومسلم: الإيمان (١٩٤) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٣٤) وصفة الجنة (٢٥٥٧) .
٢ مسلم: الصلاة (٤٨٦) , والترمذي: الدعوات (٣٤٩٣) , والنسائي: التطبيق (١١٠٠ ,١١٣٠) , وأبو داود: الصلاة (٨٧٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٤١) , وأحمد (٦/٥٨) , ومالك: النداء للصلاة (٤٩٧) .
٣ البخاري: الشروط (٢٧٣٦) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٧٧) , والترمذي: الدعوات (٣٥٠٨) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٦٠ ,٣٨٦١) , وأحمد (٢/٢٥٨ ,٢/٢٦٧ ,٢/٤٢٧ ,٢/٤٩٩ ,٢/٥٠٣ ,٢/٥١٦) .
٤ البخاري: الشروط (٢٧٣٦) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٧٧) , والترمذي: الدعوات (٣٥٠٦ ,٣٥٠٧ ,٣٥٠٨) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٦٠ ,٣٨٦١) , وأحمد (٢/٢٥٨ ,٢/٢٦٧ ,٢/٢٩٠ ,٢/٣١٤ ,٢/٤٢٧ ,٢/٤٩٩ ,٢/٥٠٣ ,٢/٥١٦) .
٥ سورة الأعراف آية: ١٨٠.

<<  <   >  >>