للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وهو موجب حكمته وحمده، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله تعالى ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء، ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتًا على القدر، وملامة له، يقول: إنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم؟

فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيًا.

ش: قوله:"فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله". إلى آخره. هذا تفسير غير واحد من المفسرين وهو مأخوذ من تفسير قتادة والسدي، وذكر ذلك عنهما ابن جرير وغيره بالمعنى.

وقوله:"وإن أمره سيضمحل". أي: سيذهب جملة حتى لا يبقى له أثر. والاضمحلال: ذهاب الشيء جملة.

قوله:"وفسر أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته". قال القرطبي: وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} ١ يعني التكذيب بالقدر وذلك أنهم تكلموا فيه، فقال الله: قل إن الأمر كله لله، يعني: القدر خيره وشره من الله.

وأما تفسيره بإنكار الحكمة، فلم أقف عليه عن السلف، فهو تفسير صحيح فمن أنكر أن ذلك لم يكن لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد والشكر، فقد ظن بالله ظن السوء، وقد أشار تعالى إلى بعض الحكم والغايات المحمودة في ذلك، في سورة"آل عمران"فذكر شيئًا كثيرًا منها في الآية المفسرة: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ٢. فهذا بعض الحكمة في ذلك. فمن أنكره، فقد ظن ظن السوء بالله وحكمته وعلمه ورحمته لكمال علمه وقدرته ورحمته، ولأن من أسمائه الحق، وذلك هو موجب لهيبته وربوبيته.

قوله:"لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه". أي: لأن الذي يليق به


١ سورة آل عمران آية: ١٥٤.
٢ سورة آل عمران آية: ١٥٤.

<<  <   >  >>