للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد، وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتها١. وأن تلك الأسباب المكروهة المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن الحكمة لانضمامها إلى ما يحب، وإن كانت مكروهة له، فما قدرها سدى ولا شاءها عبثًا، ولا خلقها باطلاً {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} ٢.

قوله:"ووعده الصادق"؛ لأن الله تعالى وعد رسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر أمره ودينه على الدين كله {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التّوبة، من الآية: ٣٣، والصّفّ من الآية: ٩] ، فمن ظن به تعالى أن دين نبيه سيضمحل ويبطل، ولا يظهر على الدين كله، فقد ظن به ظن السوء، لأنه ظن أنه يخلف الميعاد والله تعالى لا يخلف الميعاد.

قوله:"وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء"، فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم. قال ابن القيم: فمن قنط من رحمته، وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء، ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله، ولا ينْزل إليهم كتبه، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه لن يجمعهم بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهر للعالمين كلهم صدقه، وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكافرين، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصًا لوجهه على امتثال أمره، ويبطله عليه بلا سبب من العبد، أو أنه يعاقبه [بما لا صنع له فيه، ولا اختيار له، ولا قدرة ولا إرادة له في


١ في الطبعة السابقة: قوتها.
٢ سورة ص آية: ٢٧.

<<  <   >  >>