للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حصوله، بل يعاقبه] على فعله سبحانه به، أو ظن به أنه يجوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، [ويُجْريها على أيديهم ليُضلّوا بها عباده] ، وأنه يحسن منه كل شيء حتى يعذب من أفنى عمره في طاعته، أي: كمحمد صلى الله عليه وسلم فيخلده في الجحيم، أو في أسفل سافلين، وينعم من استنفد عمره في عداوته، وعداوة رسله ودينه، كأبي جهل فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين في الحسن سواء عنده، ولا يعرف امتناع أحدهما، ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما، وحسن الآخر، فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل، وتشبيه وتمثيل، وترك الحق لم يخبر به، وإنما رمز إليه١ رموزًا بعيدة، وصرح دائمًا بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وتأويله على غير تأويله، وإعانتهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل; فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن به أن يكون له في ملكه ما لا يشاء ولا يقدر على إيجاده وتكوينه، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه لا سمع له، ولا بصر، ولا علم، ولا إرادة، ولا كلام يقوم به، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق، ولا يتكلم أبدًا، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه ليس فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، وأن نسبة ذاته تعالى إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل سافلين، وأنه أسفل كما أنه أعلى، وأن من قال: سبحان ربي الأسفل كمن قال: سبحان ربي الأعلى، فقد ظن به أقبح الظن، ومن ظن أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان


١ في الطبعة السابقة: إليهم.

<<  <   >  >>