للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وارحمتي١ لك، واقلة حيلتي في إقامة التأويل لمعذبك. فقال له ابن عقيل: إن لم تقلد على حمل هذا الأمر لأجل رقبتك الحيوانية ومناسبتك الجنسية، فعندك عقل تعرف به حكم الصانع وحكمته يوجب عليك التأويل، فإن لم تجد استطرحت الفاطر العقل، حيث خانك العقل عن معرفة الحكمة في ذلك. انتهى.

قوله:"وفتش نفسك هل أنت سالم؟ ". قال ابن القيم: أكثر الخلق إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق، وظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه، وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها، رأى ذلك فيها كامنًا كمون النار في الزناد، فاقرع زناد من شئت ينبئك شرارها عما في زناده، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله ويستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء وصنيع كل شر، المركبة على الجهل والظلم، فهو أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام، والحكمة التامة، المنَزَّه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلها حسنى.

فلا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل.

ولا تظنن بنفسك قط خيرًا ... فكيف بظالم جان جهول

وظن بنفسك السوأى تجدها ... كذاك وخيرها كالمستحيل

وما بك من تقى فيها وخير ... فتلك مواهب الرب الجليل


١ في الطبعة السابقة: وراحمتي.

<<  <   >  >>