للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحاصله أن الشر راجع إلى مفعولاته، لا إلى ذاته وصفاته، ويتبين ذلك بمثال ولله المثل الأعلى. لو أن ملكًا من ملوك العدل كان معروفًا بقمع المخالفين وأهل الفساد، مقيمًا للحدود والتعزيرات الشرعية على أرباب أصحابها، لعدوا ذلك خيرًا يحمده عليه الملوك، ويمدحه الناس ويشكرونه على ذلك، فهو خير بالنسبة إلى الملوك، يمدح ويثنى به ويشكر عليه وإن كان شرًّا بالنسبة إلى من أقيم عليه، فرب العالمين أولى بذلك، لأن له الكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات. وأيضًا فلولا الشر هل كان يعرف الخير؟ فإن الضد لا يعرف إلا بضده، فإن لم تحط به خبرًا فاذكر كلام ابن عقيل في الباب الذي قبل هذا، وأسلم تسلم، والله أعلم.

[ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك] .

قال:"وعن عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، فقال: [له] اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني" ١.

ش قوله:"يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان ... " إلى آخره. ابنه هذا هو الوليد بن عبادة كما صرح به الترمذي في روايته، وفيه أن للإيمان طعمًا، وهو كذلك، فإن له حلاوة وطعمًا، من ذاقه تسلى به عن الدنيا وما عليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ... " ٢. الحديث وإنما يكون العبد كذلك إذا كان مؤمنًا بالقدر، إذ يمتنع أن توجد الثلاث فيه وهو لا يؤمن بالقدر بل يكذب به ويرد على الله كلامه وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم مقالته، فإن المحبة التامة تقتضي المتابعة التامة، فمن لم يؤمن بالقدر، لم


١ أبو داود: السنة (٤٧٠٠) .
٢ البخاري: الإيمان (١٦) , ومسلم: الإيمان (٤٣) , والترمذي: الإيمان (٢٦٢٤) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٨٧ ,٤٩٨٨ ,٤٩٨٩) , وابن ماجه: الفتن (٤٠٣٣) , وأحمد (٣/١٠٣ ,٣/١١٣ ,٣/١٧٢ ,٣/١٧٤ ,٣/٢٣٠ ,٣/٢٤٨ ,٣/٢٨٨) .

<<  <   >  >>