للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البقاع وأحبها إلى الله، فإن عباد القبور يقصدونها مع التعظيم والاحترام، والخشوع ورقة القلب، والعكوف بالهمة على الموتى ما لا يفعلونه في المساجد، ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريبًا منه.

ومنها: أن الذي شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور إنما هو تذكر الآخرة، والإحسان إلى المزور بالدعاء له والترحم عليه، والاستغفار له، وسؤال العافية له، فيكون الزائر محسنًا إلى نفسه وإلى الميت، فقلب هؤلاء المشركون الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ودعاءه والدعاء به، وسؤاله حوائجهم، واستنْزال البركة منه، ونصره لهم على الأعداء، ونحو ذلك، فصاروا مسيئين إلى أنفسهم وإلى الميت.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى الرجال عن زيارة القبور سدًّا للذريعة. فلما تمكن التوحيد في قلوبهم أذن لهم في زيارتها على الوجه الذي شرعه، ونهاهم أن يقولوا هجرًا، ومن أعظم الهجر: الشرك عندها قولاً وفعلاً. وفي"صحيح مسلم"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"زوروا القبور، فإنها تذكركم الموت" ١. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه. فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر" ٢. رواه أحمد والترمذي وحسنه.

فهذه الزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وعلمهم إياها. هل تجد فيها شيئًا مما يعتمده أهل الشرك والبدع؟ أم تجدها مضادة لما هم عليه من كل وجه؟ وما أحسن ما قال مالك بن أنس رحمه الله: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها". ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، أعرضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك.


١ مسلم: الجنائز (٩٧٦) , والنسائي: الجنائز (٢٠٣٤) , وأبو داود: الجنائز (٣٢٣٤) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٦٩ ,١٥٧٢) , وأحمد (٢/٤٤١) .
٢ الترمذي: الجنائز (١٠٥٣) .

<<  <   >  >>