للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد جرد السلف الصالح التوحيد وحموا جانبه، حتى كان أحدهم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد الدعاء استقبل القبلة، وجعل ظهره إلى جدار القبر، ثم دعا. ونص على ذلك الأئمة الأربعة أنه يستقبل القبلة وقت الدعاء، حتى لا يدعو عند القبر، فإن الدعاء عبادة، وفي الترمذي وغيره مرفوعاً: "الدعاء هو العبادة" ١. فجرد السلف العبادة لله، ولم يفعلوا عند القبور منها إلا ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء لأصحابها والاستغفار لهم والترحم عليهم.

وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" ٢. وإسناده جيد، ورواته ثقات مشاهير.

وقوله: "ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا" ٣. أي: لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنْزلة القبور، فأمر بتحري النافلة في البيوت، ونهى عن تحري النافلة عند القبور، وهذا ضد ما عليه المشركون من النصارى وأشباههم. ثم إن في تعظيم القبور، واتخاذها أعيادًا، من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار لله وغيرة على التوحيد، وتهجين وتقبيح للشرك، ولكن ما لجرح بميت إيلام.

فمن المفاسد: اتخاذها أعيادًا والصلاة إليها، والطواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على ترابها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم، وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون، وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم.

فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيدًا، وقد نزلوا عن الأكوار


١ الترمذي: تفسير القرآن (٢٩٦٩ ,٣٢٤٧) والدعوات (٣٣٧٢) , وأبو داود: الصلاة (١٤٧٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٢٨) , وأحمد (٤/٢٦٧) .
٢ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٣٦٧) .
٣ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٢٨٤ ,٢/٣٣٧ ,٢/٣٦٧ ,٢/٣٧٨ ,٢/٣٨٨) .

<<  <   >  >>