للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلام صفة من صفات كماله، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أظهر شيء وأبينه، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة من المحققين قيام الأفعال بالله سبحانه، وأن الفعل يقع بمشيئته تعالى وقدرته شيئًا فشيئًا ولم يزل متصفًا به، فهو حادث الآحاد قديم النوع، كما يقول ذلك أئمة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعي وأحمد وسائر الطوائف، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ١. فأتى بالحروف الدّالة على الاستقلال، والأفعال الدالة على الحال والاستقبال أيضًا، وذلك في القرآن كثير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإذا قالوا لنا - يعني النفاة -: فهذا يلزمه أن تكون الحوادث قائمة به؟ ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة؟! ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل. ولفظ الحوادث مجمل، فقد يراد به الأعراض والنقائص، والله تعالى منَزه عن ذلك - ولكن يقوم به ما يشاء من كلامه وأفعاله ونحو ذلك، مما دل عليه الكتاب والسنة. والقول الصحيح: هو قول أهل العلم والحديث الذين يقولون: لم يزل الله متكلما إذا شاء، كما قال ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما من أئمة السنة. اهـ.

قلت: ومعنى قيام الحوادث به تعالى، قدرته عليها، وإيجاده لها بمشيئته وأمره. والله أعلم.

قوله: "ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" ٢. لما عظم ذنبهم عظمت عقوبتهم، فعوقبوا بهذه الثلاث التي هي أعظم العقوبات.

قوله:"أشيمط زان"، صغره تحقيرًا له وذلك لأن داعي المعصية ضعف في حقه، فدل على أن الحامل له على الزنا محبة المعصية والفجور، وعدم خوفه من الله، وضعف الداعي إلى المعصية مع فعلها يوجب تغليظ العقوبة عليه، بخلاف الشاب; فإن قوة داعي الشهوة منه قد تغلبه مع خوفه من الله، وقد يرجع على نفسه بالندم، ولومها على المعصية، فينتهي ويراجع. وكذا العائل المستكبر ليس


١ سورة يس آية: ٨٢.
٢ البخاري: المساقاة (٢٣٥٨) , ومسلم: الإيمان (١٠٨) , والترمذي: السير (١٥٩٥) , والنسائي: البيوع (٤٤٦٢) , وأبو داود: البيوع (٣٤٧٤) , وابن ماجه: التجارات (٢٢٠٧) والجهاد (٢٨٧٠) , وأحمد (٢/٢٥٣ ,٢/٤٨٠) .

<<  <   >  >>