للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كله، {وَلَهُ الْمُلْكُ} كله وبيده الخير كله، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} . فَأَزِمَّة الأمور كلها بيديه سبحانه، ومرجعها إليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، الذي إذا فتح للناس {رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات القادر الغني بالذات، ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستعانة وغاية الحب مع غاية الذل، كل ذلك يجب عقلاً وشرعًا وفطرة أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلاً وشرعًا وفطرة أن يكون لغيره، فمن فعل شيئًا من ذلك لغيره، فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثل له ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله، فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه أنه لا يغفره مع أنه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، فهذا معنى كلام ابن القيم.

وفي الآية رد على الخوارج المكفِّرين بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يدخلون النار ولا بد، ولا يخرجون منها، وهم أصحاب المنْزلة بين المنْزلتين. ووجه ذلك أن الله تعالى جعل مغفرة ما دون الشرك معلقة بالمشيئة، ولا يجوز أن يحمل هذا على التأكيد، فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره. كما قال تعالى في الآية الأخرى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} ١. فهنا عمم وأطلق؛ لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق؛ لأن المراد به ما لم يتب. قاله شيخ الإسلام.

قوله: وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} ٢.

(الصنم) : ما كان منحوتًا على صورة البشر. والوثن: ما كان منحوتًا على غير ذلك. ذكره الطبري عن مجاهد. والظاهر أن الصنم ما كان مصورًا على أي صورة، والوثن بخلافه كالحجر والبينة، وإن


١ سورة الزمر آية: ٥٣.
٢ سورة إبراهيم آية: ٣٥.

<<  <   >  >>