للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج.

وقيل: إن حديث محمود هو الصواب دون ذكر رافع. مات محمود سنة ست وتسعين. وقيل: سنة سبع، وله تسع وتسعون سنة. قوله: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" ١. هذا من رحمته صلى الله عليه وسلم لأمته وشفقته عليهم، وتحذيره مما يخاف عليهم، فإنه ما من خير إلا دلهم عليه وأمر به، وما من شر إلا وأخبرهم به وحذرهم عنه. كما قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" ٢. ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرياسة والمنْزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله، كان هذا أخوف ما يخاف على الصالحين، لقوة الداعي إلى ذلك، والمعصوم مَنْ عَصَمَهُ الله، وهذا بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، ولهذا يكون. الإلقاء في النار أسهل عندهم من الكفر. وإما ضعيف، هذا مع العافية، وإما مع البلاء، ف {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . فلذلك صار خوفه صلى الله عليه وسلم على أصحابه من الرياء أشد لقوة الداعي وكثرته، دون الشرك الأكبر لما تقدم، مع أنه أخبر أنه لا بد من وقوع عبادة الأوثان في أمته، فدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه الشرك الأكبر، إذا كان الأصغر مخوفًا على الصالحين من الصحابة مع كمال إيمانهم، فينبغي للإنسان أن يخاف الأكبر لنقصان إيمانه ومعرفته بالله، فهذا وجه إيراد المصنف له هنا مع أن الترجمة تشمل النوعين.

قال المصنف: وفيه أن الرياء من الشرك، وأنه من الأصغر، وأنه أخوف ما يخاف على الصالحين، وفيه قرب الجنة والنار، والجمع بين قربهما في حديث واحد على عمل واحد متقارب في الصورة.


١ أحمد (٥/٤٢٨) .
٢ مسلم: الإمارة (١٨٤٤) , والنسائي: البيعة (٤١٩١) , وابن ماجه: الفتن (٣٩٥٦) , وأحمد (٢/١٩١) .

<<  <   >  >>