للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب": صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة (١). وقال ابن عدى في "الكامل": هو عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في حديثه في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد

الكذب (٢).

وقال صالح بن محمد (جزرة): كان ابن معين يوثقه، وعندي أنه كان يكذب في الحديث (٣).

* * *

وفي حديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: هُوَ قَدَرِيٌّ لَكِنَّهُ ثِقَةٌ فِي الْحَدِيثِ، قثنا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرٍ الطَّاطَرِيُّ، قثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَبَصُرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ»، قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «يوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيافَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ» (٤). فتكلم أبو عوانة على الحسن بن أحمد بأنه (قدري) (٥) في العقيدة، ولكن بين أنه موثوق في الحديث.


(١) "تقريب التهذيب" (١/ ٣٠٨).
(٢) "الكامل" (٥/ ٣٤٢).
(٣) "تهذيب التهذيب" (٥/ ٢٥٨).
(٤) أخرجه أبو عوانة مبتدأ كتاب الجهاد، باب الخبر المبيح للبعث الذين يبعثهم الإمام أخذ حقّ الضيف الذي ينبغي لهم أن يقروهم، والدّليل على ذلك وأنّه يوم وليلة، وإباحة مقام الضيف عند من يضيِّفه ثلاثة أيّام، والدليل على الكراهة في كونه عنده فوق ذلك وفي كونه عند من ليس له سعة بقوته (٦٤٨٤).
(٥) القدرية الضالة التي تنكر القدر، وهم في هذا الإنكار على قسمين:
القسم الأول:
القدرية الغلاة الذين ينكرون علم الله بالأشياء قبل كونها، وينكرون كتابته لها في اللوح المحفوظ، ويقولون: إن الله أمر ونهى، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه؛ فالأمر أنف (أي: مستأنف)، لم يسبق في علم الله وتقديره. وهذه الفرقة قد انقرضت أو كادت.
القسم الثاني:
تقر بالعلم، ولكنها تنفي دخول أفعال العباد في القدر، وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالًا، لم يخلقها الله ولم يردها، وهذا مذهب المعتزلة.
وقابلتهم طائفة غلت في إثبات القدر حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، وقالوا: إن العبد مجبر على فعله، ولذلك سموا بالجبرية.
وكلا المذهبين باطل لأدلة كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨، ٢٩] لأن قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} يرد على الجبرية؛ لأن الله تعالى أثبت للعباد مشيئة، وهم يقولون: إنهم مجبورون لا مشيئة لهم. وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[التكوير: ٢٩] فيه الرد على القدرية القائلين بأن مشيئة العبد مستقلة بإيجاد الفعل من غير توقف على مشيئة الله، وهذا قول باطل؛ لأن الله علق مشيئة العبد على مشيئته سبحانه، ربطها بها.
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية، فلم يُفَرِّطوا تفريط القدرية النفاة، ولم يُفَرِّطوا إفراط الجبرية الغلاة.
وأول من نطق بهذه البدعة رجل كان نصرانيًّا فأسلم يقال له: سوسن، من أهل العراق، فأخذها عنه معبد الجهني، وأخذها عن معبد غيلان الدمشقي. قال الأوزاعي: (أول من نطق بالقدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانياً، فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد). "أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة" لمحمد بن عبد الرحمن الخميس ص (١٨١).
وانظر: "شرح الرسالة التدمرية" (٣٥٨)،
"حقيقة البدعة وأحكامها" لسعيد بن ناصر (١/ ١٠٤)،
"السنة" لأبي بكر الخَلَّال، بتحقيق: د. عطية الزهراني (٣/ ٥٢٩)،
"اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث" لمحمد بن عبد الرحمن الخميس ص (٢٢٥).

<<  <   >  >>