بانوا وَخُلِّفتُ أَبكي في ديارِهِمُ ... قُل لِلديارِ سَقاكَ الرائِحُ الغادي
وَقُل لأظعانِهِم حُييتِ مِن ظُعُنٍ ... وَقُل لِواديهُمُ حُيِيتَ مِن وادي
دخل رجل ناحل الجسم على " عمر بن عبد العزيز " فقال له: مالك هكذا؟ فقال: ذقت حلاوة الدنيا فرأيتها مرارة، فأسهرت ليلى، وأظمأت نهاري، وذلك قليل في جنب ثواب الله وعقابه.
أَميرُ الهَوى مِن هَوا ... كَ في شُغلٍ شاغِلِ
تَسَربَلَ ثَوبُ الضَنا ... عَلى بُدنٍ ناحِلِ
ذابت قلوبهم بنيران الخوف، فأحرقت موطن الهوى، واضفرت الألوان لقوة الحذر فتنكست رؤوس الخجل، فإذا أردت أن تعرف أحوالهم فاسمع حديث النفس بين النفس.
خُذي حَديثَكَ في نَفسي مِنَ النَفَسِ ... وَجدُ المَشوقِ المعنّى غَيرُ مُلتَبِسِ
الماءُ في ناظري وَالنارُ في كبدي ... إِن شِئتَ فاغتَرِفي أَو شِئتَ فاقتَبِسي
[الفصل السادس والأربعون]
[العجز والتواني]
لما وقع الأولياء في ظلمات الدنيا قطعوا بالجهاد مفاوز الهوى، أضاءت لهم سبل السلامة فتعارف القوم في طريق الصحبة، إن أضاء لهم برق الرجاء مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم ليل الخوف قاموا، فالقوم لا يخرجون من حيز الحيرة، لو رأيتموهم لقلتم مجانين.
إِذا كُنتَ خَلواً فاعذُر في الهَوى ... فَما المُبتَلى وَالمُستَريحُ سَواءُ
أَلا إِنّ قَلبَ الصَبِّ في يَدِ غَيرِهِ ... يُصَرِّفُهُ وَسنَى وَالفُؤادُ هَباءُ
كَربُ المُحِب بالنهار يشتد بمزاحمة رقباء المخاطبة، فبلبل باله في قفص كتمان حاله، فإذا هبت نسائم الأسحار وجدت روحه روحا يصل من قصر مصر المنى، إلى أرض كنعان الأمل، فقام ركب الشوق يتحسس النسيم من فرج الفرج، وله وله.
تُزاوِرنَ عَ، أَذرُعاتٍ يَميناً ... نواشِزُ لَسنَ يَطِنَ البُرينا
كُلِفنَ بِنَجدٍ كَأَنّ الرِياضَ ... أَخَذنَ لِنَجدٍ عَلَيها يَمينا
إِذا جئتُما بانَةَ الواديين ... فأرخُوا النُّسوعَ وَحُلُّوا الوَضينا
فَثَمَّ عَلائِقُ مِن أَجلِها ... مِلءُ الدُجى وَالضُحى قَد طَوينا
وَقَد أَنبَأتهُم مِياهَ الجُفونِ ... بِأَنّ بِقَلبِكَ داءً دَفينا
إخواني: نهار الحزين كالليل، وليل المطرود كالنهار، يا أعمى عن طريق القوم، أنا مشغول بإصلاح عينك، فإذا استوت أرشدتك الطريق، هذا أمر لا ينكشف للقلوب المظلمة برين الهوى، حتى يجلوها صيقل المجاهدة، أرض مشحونة بشوك الذنوب فلو قد أسلمتها إلى الزارع رأيتها قد تغيرت (يَوم تُبَدَلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرض) .
ويحك: بين العجز والتواني نتجت الفاقة.
كان القوم إذا سمعوا موعظة غرست نخل العزائم، ونبات قلبك عند المواعظ نبات الكشوثي.
واعجبا!! لمن أصف القوم؟ أراني أتلو سورة " يوسف " على " روبيل " كم بين ثالثة الأثافي وسادسة الأصابع. يا مطرودا ما يشعر بالطرد، إنما يجد وقع السياط من له حس، تالله لو أقلقك الهجر ما سكنت دار الراحة، أنت والكسل كندماني " جذيمة " وليت صوت هذا الهاتف وصل إلى سمع القلب.
يا له من عتاب لو كان للمعتاب فهم، لقد نفخت لو كان فحم، واأسفا مرعىً ولا أكولة، سور تقواك كثير الثلم، والأعداء قد أحاطوا بالبلد، صحح نقد عملك، فقد انقرضت أيام أسبوعك، جود قبل الحساب انتقادك، فلا مسامح قبل الوزن، ويك قبل الومن، ويك قبل الرمي، تراش السهام، وعند النطاح يغلب الأجم، ويحك: قد دنا رحيلك، وليس في مزود عملك ثمرات تطفىء نار جوعك، ولا في مزادتك قطرات تسكن وقد هجيرك، فالجد الجد في الإستظهار لطول الطريق، عش ولا تغتر.
يا منقطعا في بادية الهوى عن الرفقاء، إلحق الركب فالأمير يراعي الساقة، سر من غير توقف ولو تقطعت أقدام الطلب، فإذا أدركتك قافلة التعب - أيها المنقطع في ظل حائط منقطع - فصوت باستغاثة متحير.
يا راهب الدير هل مرت بك الإبل يا أسف من لا ينفعه إن تأسف، لعبت بوقته أيدي التواني فضاع، فصمت عرى عمره كف المشيب ففات.
يَعِزُّ عَليَّ فِراقي لَكُم ... وَإِن كانَ سَهلاً عَلَيكُم يَسيراً