سَلامي عَليكُم كَيفَ حالُكُم ... وَهَل عِندَكُم مِن وَحشَةِ البَينِ ما عندي
سبق العلم بنبوة " موسى " و " إيمان " آسية " فسيق تابوته إلى بيتها، فيه طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن زوج.
[قرينان مرتعنا واحد]
لما قضيت في القدم سلامة " سلمان " حملته صبا الصبا نحو الدين، كان أبوه على اعتقاد المجوس، فعرج به دليل التوفيق إلى دير النصارى، فأقبل يناظر أباه فلم يكن لأبيه جواب القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم (أَنا أُحيي وَأُميت) ، (ثُمّ نُكِسوا) (قالوا حَرِقوهُ) فنزل في البداية ضيف (وَلَنَبلونَكُم) ولولا مكابدة البلاء ما نيلت مرتبة (رب أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره) فسمع أن ركبا على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه ولا قطع، فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب الغنى، وغاص في مقر بحر البعث ليقع على بدرة الوجود، فصاح به الهوى: إلى أين؟ فقال (إِنى ذاهبِبٌ إِلى رَبي) وقف نفسه على خدمة الأدلاء، وقوف الأذلاء.
فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم، زوده سفره إلى طلب علم الأعلام على علامات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وقالوا: قد آن زمانه وأظل، فاحذر أن تضل، فإنه يخرج بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيته قد فلى الفلاة، والدليل شوقه، والحنين يزعجه، والتلهف يقلقه
وَأَبغَضتُ فيكَ النَخلَ وَالنَخلُ يانعٌ ... وَأَعجَبَني مِن حُبِكَ الطَلحُ وَالضالُ
وَأَهوى لِجَرّالُ السَّمَاوَةَ وَالفَضى ... وَلو أَنّ صَنفِيَةَ وَشاةٍ وعُذالُ
رحل مع رفقة لم يرفقوا به (فَشَروهُ بِثَمَنٍ بَخس) فاشتراه يهودي بالمدينة، فانجبر انكسار رقه بإنعام " سلمان منا " وتوقد شوقه برؤية الحرتين، وما علم المنزل بوجد النازل.
أَيَدري الرَبعُ أَيَ دَمٍ أَراقا ... وَأَيَّ قُلوبٍ هَذا الرَكبُ ساقا؟
لَنا وَلأَهلِهِ أَبداً قُلوبُ ... تَلاقى في جُسومِ ما تَلاقى!!
فبينما هو يكابد ساعات الانتظار جاء البشير بقدوم الرسول، و " سلمان " في رأس نخلة، فكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم (إِن كادَت لَتُبدي بِهِ) ثم عجل النزول ليلقي ركب البشارة، وأي ثبات بقي ليعقوب في حال (إِني لأجد) .
خَليليَّ مِ، نَجدٍ قَفاني عَلى الرُّبافَقَد هَبَ مِ، تِلكَ الرُسومِ نَسيمُ طف صالح به المالك: مالك وهذا؟ انصرف إلى شغلك.
كيف انصرافي ولي في داركم شغل ثم أخذ يضربه، فأخذ لسان حال المشوق يترنم، لو سمع الأطروش؟
خَليليَّ لا وَاللَهِ ما أَنا مِنكُما ... إذا عَلَمٌ مِن آَلِ لَيلى بَدا لِيا
[الفصل السادس]
[تتجافى جنوبهم عن المضاجع]
سفر الليل لا يطيقه إلى مضمر المجاعة، تجتمع جنود الكسل فتتشبث بذيل التواني، فتزين حب النوم، وتزخرف طيب الفراش، وتخوف برد الماء، فإذا ثارت شعلة من نار الحزم، أضاءت بها طريق القصد، فسمعت أذن اليقين هاتف: هل من سائل؟
فَقُمتُ أَفرِشُ خَدِّي في الطَريقِ لَهُ ... ذُلاً وَأَسحَبُ أَجفاني عَلى الأَثَرِ
نفس المحب في الليل على آخر نفس، وفي " المتعبدين قوة " وهم يستغفرونن صراخ الأطفال غير بكاء الرجال، سهر الليل هودج الأحباب، يوقظ نسيم الأسحار أعين ذوق الأخطار، فلو رأيتهم
وَقَد لاحَت الجوزاءُ وَأنحَدَرَ النَّسرُ
قد افترشوا بساط " قيس " وباتوا بليل " النابغة " إن ناموا توسدوا أذرع الهمم، وإن قاموا فعلى أقدام القلق، كأن النوم حلف على جفاء أجفانهم
هَذا رِضاكَ نَفى نَومي فأَرَقَني ... فَكَيفَ يا أَمَلي إِن كُنتَ غَضبانا
مازالوا على مطايا الأقدام إلى أن نم النسيم بالسحر، وقام الصارخ ينعي الظلام، فلما تمخض الدجى بحمل السحر، تساندوا إلى رواحل الإستغفار.
شَكونا إِلى أَحبابِنا طَولَ لَيلَنا ... فَقالوا لَنا ما أَقصَرَ اللَيلَ عِندَنا
رياح الأسحار أقوات الأرواح، رقت، فراقت، فبردت حر الوجد، وبلغت رسائل الحب.
أَلا يا صِبا نَجِدُ مَتى هُجتَ مِن نَجدٍ ... لَقَد زادَني مَسراكَ وَجداً عَلى وَجدِ
مكروب الوجدن يرتاح إلى النسيم، وإن قلقل الواجد.