للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا قوام الليل اشفعوا في راقد، يا أحياء القلوب ترحموا على ميت، سا سفراء الطلب احملوا رسالة محصر.

خذوا نظرة مني فلاقوا بها الحمى

أَيا رفقة من أرض بصرى تحملت ... تؤم الحمى لقيت من رفقة رشدا

إذا ما بلغتم سالمين فبلغوا ... تحية من قد ظن أن لا يرى نجدا

[الفصل السابع والأربعون]

[في ذم إبليس]

إخواني: العناية غنى الأبد، لما سبق الإختيار في القدم للطين المنهبط صعد على النار المرتفعة، فعلمت جهنم أن المخلوقات منها، لما قاوم التراب كانت الغلبة للتراب، وكفاها ما جرى عبرة، والسعيد من وعظ بغيره، فإذا مر المؤمن عليها أسلمت من غير جدال، وقالت: " جز فقد أطفأ نورك لهبي ".

مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة قبل الشرائع، كقلب " قس " (يَكادُ زَيتُها يُضيءُ وَلَو لَم تَمسَسهُ نار) لاح مصباح الهوى من سجف دار الخيزران، فإذا " عمر " على الباب.

ولما عميت بصيرة إبليس صار نهار الهدى عنده ليلا، كان في عين بصيرته سبل، فما نفعه اتضاح السبل، رجع الخفاش إلى عشه فقال لأهله: أوكروا، فقد جن الليل، فقالوا: الآن طلعت الشمس، وأنت تقول: جن الليل، فقال: ارحموا من طلوع الشمس عنده ليل.

لما أضاءت أنوار النبوة رأتها عين " بلال الحبشي " وعميت عنها عين " أبي طالب " القرشي. إخواني: احذروا نبال القدرة، وهيهات لا ينفع الحذر، فإن صلح شيء من باب الكسب فاللحاء أعوذ بك منك، أين القلق " والقلوب بين أصبعين ".

إن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا كان إبليس كالبلدة العامرة بالعبادة، فوقعت فيها صاعقة الشتاء، فهلك أهلها (فَتِلكَ بُيوتُهُم خاوِيةٌ بِما كَسبوا) .

وَمَن لَم يَكُن لِلوِصالِ أَهلُ ... فَكُلُّ إِحسانِهِ ذنوبُ

أخذ كساء ترهبه، فجعل جلال كلب أهل الكهف، فأخذ المسكين في عداوة الآدمي فكم بالغ واجتهد، وأبى الله إلا أن لا يقع في البئر إلا من حفر.

ويحك: ما ذنب الآدمي وأنت جنيت على نفسك؟ ولكنه غيظ الأسير على القد، إنما هلك إبليس بكبر (أَنا خَيرٌ مِنهُ) وسلم " آدم " بذل (ظَلَمنا أَنفُسَنا) ومقام العبودية لا يحتمل إلا الذل.

كُلَما رَاعَنَي بِعِزِّ المَوالي ... جِئتُهُ خاضِعاً بَذلِّ العَبيدِ

المسكين إبليس ظن أنه قد حاز بامتناعه عن السجود عزا، فوقع في ذل (وَأَنّ عَلَيهِ لَعنَتي) فكأنه فر من المطر إلى الميزاب، كانت خلعة العبادة لا تليق به فنزعت عنه.

إلا رُبَّ جِيدٍ لا يَليقُ بِهِ العِقُدُ

كان أعجمي الفهم فما لاقت به حلية التعبد، وكان " آدم " عربيا فما حسنت عليه قلنسوة الخلاف، أخرجهما قسر القدر لبيان ملك التصرف، ثم رد كل إلى معدنه.

إن الأُصولَ عَلَيها تَنبُتُ الشَجرُ

لقي إبليس " عمر بن الخطاب " فصرعه " عمر " فقال بلسان الحال: يا عمر أنا المقتول بسيف الخذلان قبلك.

بيَ الناسُ أَدواءُ الهِيامِ شَرِبتُهُ ... فَإِياكَ عَني لا يَكُنُ بِكَ ما بِيا

يا عمر: أنت الذي كنت في زمن الخطاب لا تعرف طريق الباب، وأنا الذي كنت في سدة السيادة، وأتباعي الملائكة، فوصل منشور (لا يُسأَل) فعزلني وولاك، فكن على حذر من تغير الحال، فإن الحسام الصقيل الذي قتلت به في يد القاتل، فلما لعبت أيدي القلق " بعمر " بادر طريق باب البريد بالعزل والولاية: يا حذيفة يا حذيفة.

؟ الفصل الثامن والأربعون

؟ في العزلة

المؤمن على طهارة التوحيد من يوم (أَلَستُ بِرَبِكُم) غير أنه لما خالط أوساخ الهوى تدنست ثياب معاملته، وليس لها تنظف إلا بماء العلم في بيت العزلة.

العزلة رأس الحمية من الدنيا، تخيط عين بازي الهوى فيألف الفطام على الطيران، والعزلة صحراء خالية عن بقاع يا سرعة إبصار الهلاك فيها لذي بصر، قل غرس خلوة إلا وعليها ثمرة الأنس.

<<  <   >  >>