للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سائر الكلام؛ لأن التحدي بإعجاز القرآن الكريم، وعجز الكفار بل البشر جميعًا عن معارضته بمثله- أقطعُ برهانٍ على كونه من عند الله، وأسطعُ حجةِ على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - في ادِّعاء الرِّسالة، وعلى صدق ما جاء به من نبأ البَعْث بعد الموت والجزاء والحساب. وفي هذا تشنيعٌ للكفار وبيانٌ لقبح موقفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومما جاء به من أمر البَعْث والحساب، وتأكيدٌ على أن القوة الحقيقيَّة هي قوة الحجة والبرهان التي بها أتى القرآن، وعلى أن القرآن هو محور الدعوة، ولهذا افتُتحت هذه السُّورة به، كما خُتمت به: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}.

{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ}: هذه الآية واردةٌ في عَرْض مقالة المشركين في إنكار الرِّسالة والتكذيب بالبَعْث، ففيها ذِكر تعجُّبهم الإنكاري من إرسال رسول من جنسهم البشري، متعلِّلين أن كون الرَّسول بشرًا ينافي الحكمة الربانيَّة، وكذلك تعجُّبهم من إنذاره - صلى الله عليه وسلم - إياهم عذاب الله يوم القيامة، ودعوته إياهم للإيمان بعد البَعْث بعد الموت.

وفي الآية ما يؤكِّد على "تقبيح المماراة في الحق والتعمد في المعارضة اتباعًا للهوى وتقبيح التمسك بالتقاليد الموروثة غير الصائبة" (١)،

فقد "أنكروا رسالته وفَضْل كتابه بألسنتهم نفاسة وحسدًا، وفي هذا دليلٌ على أن الكبر والحسد من موانع قبول الحق، وأنه يفضي إلى السفه ... ؛ لأنهم عجبوا أنْ كان الرَّسول بشرًا واستعظموا ذلك، وأوجبوا أن يكون الإله حجرًا، وعجبوا من أن يُعادوا من تراب، وتثبت لهم الحياة، ولم يعجبوا أن يُبتدؤوا من تراب ولم يكن له أصل في الحياة" (٢)، وذلك لأن كفرهم "يقوم على ستر الأدلة التي


(١). انظر: التفسير الحديث، لمحمد دروزة عزت (٢/ ٣٠١).
(٢). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٤٠٤).

<<  <   >  >>