للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْهُمْ}، دلالةٌ على ما ورد في حديث: «لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ» (١).

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}: هذه الآية واردةٌ في تقرير المعاد ببيان بطلان موقف المشركين من التكذيب بالحق بذِكر دليل البطلان -وهو الاضطراب-، وبيان سببه -وهو الاستعجال-. لأن "الاضطراب موجبٌ للاختلاف، وذلك أدلُّ دليلٍ على الإبطال، كما أن الثبات والخلوص مُوجِب للاتفاق، وذلك أدلُّ دليلٍ على الحقيقة" (٢)؛ فـ"الجزم الصحيح لا يتغير ولا يتبدل ... [أمَّا المشركون] فكان أمرهم مضطربًا" (٣)، (وذلك في وصفهم القرآن بأنه: سِحر، وتارة كهانة، وتارة شِعر، وتارة كذب، وتارة ينفون الرِّسالة عن البشر، وأخرى يزعمون أنها لا تليق إلا بأهل الجاه والرئاسة (٤).

وسبب هذا الاختلاف: إنما هو ناشئٌ عن استعجالهم في التكذيب بالقرآن، وعدم النظر والتأمل في أدلته. وفي هذا دعوةٌ للمشركين وغيرهم إلى التأمل في القرآن وبراهينه، وتأكيدٌ على أن "عدم التأني والتفكر مانع من موانع الاهتداء للحق"، فينبغي للإنسان أن يقابل "كل فكرة أو دعوة جديدة بالتدبُّر والتروي" (٥)؛ لأنه يُعِين على معرفة جوانب الحق فيها ومواطن الخلل، ويعصم -بإذن الله- من الزَّلل.


(١). رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}، (ح ٤٩٣٥)، (٦/ ١٦٥). وانظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٨٣).
(٢). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٤٠٧).
(٣). مفاتيح الغيب، للفخر الرازي (٢٨/ ١٥٤).
(٤). انظر: نظم الدرر، للبقاعي (١٨/ ٤٠٧)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٨٥)، وتفسير المراغي (٢٦/ ١٥٢ - ١٥٣).
(٥). التفسير الحديث، لمحمد دروزة عزت (٢/ ٣٠١).

<<  <   >  >>