للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: هاتان الآيتان واردتان في بيان الرقابة الدائمة على كل إنسان (١)؛ ففيها الإنذار الشديد والموعظة والتهديد بالجزاء للمشركين الذين كذَّبوا بيوم البَعْث جحودًا واستكبارًا، و"الإخبار بأن على يمين الإنسان وشماله مَلَكين يكتبان أعماله وأقواله والتَّنبيه بإحصاء الأقوال وكتابتها على كتابة الأعمال، التي هي أقل وقوعًا، وأعظم أثرًا من الأقوال، وهي غايات الأقوال ونهايتها" (٢).

فينبغي أن يحفظ الإنسان لسانه وجوارحه عن السيئات ويرغب في الحسنات. وفي هذا إشارةٌ كافية للَّبيب أن الإنسان غير متروك سدًى، وأنه خُلِق لأجل حكمة جليلة وغاية سامية.

وبيان قُربه -تعالى- عند تلقِّي المَلَكين أقوال الإنسان وأعماله "إيذان بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه"، وأن ذلك الاستِحفاظ لحكمة (٣)، وهو إقامة الحجة على العبد يوم القيامة (٤).

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}: هذه الآية انتقالٌ "إلى حكاية ما سوف يواجهه المكذِّبون حين احتضارهم" (٥)، ففيها ذِكر "القيامة الصغرى، وهي سَكرة الموت، وأنها تجيء بالحق، وهو: لقاؤه سبحانه، والقدوم عليه، وعرض الروح عليه، والثواب والعقاب الذي تعجل لها قبل القيامة الكبرى" (٦).


(١). معارج التفكر، للميداني (٣/ ٨٦).
(٢). انظر: الفوائد، لابن القيم (ص ١٢ - ١٣).
(٣). الكشاف، للزمخشري (٤/ ٢٩٢). وانظر: حدائق الروح والريحان (٢٧/ ٤٣٩).
(٤). التفسير الوسيط، للطنطاوي (٢٦/ ٢١١). وانظر: تفسير القرطبي (١٩/ ٤٣٧).
(٥). انظر: التفسير الحديث (٢/ ٢٣٥).
(٦). الفوائد، لابن القيم (ص ١٣). وانظر: مجموع الفتاوى (٤/ ٢٦٥).

<<  <   >  >>