للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيه دلالةٌ على أنه يجدر بالمؤمن المحافظة على الطاعة وحفظ وصايا الله وحدوده، فإذا صدرت منه فلتةٌ أعقبها بالتوبة، ورجع إلى ربه. "فلا يكفي أن يعلن المرء إسلامه، بل عليه أن يكون مجتهدًا في تقوى الله بالعمل الصالح واجتناب الآثام، وأن يكون حافظًا لعهوده وواجباته مراقبًا الله في سرِّه وعلنه منيبًا إليه بقلبه وجوارحه. وفي هذا ما فيه من قصد تهذيب نفس المسلم وإعداده ليكون صالحًا بارًّا خيِّرًا راشدًا يَقِظَ القلب طاهر السريرة والنفس قائمًا بواجباته نحو الله والناس لذاتها متَّقيًا ربه في السرِّ والعلن" (١).

{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}: هذه الآية واردةٌ في ذِكر الصفة الثالثة والرابعة من صفات المتقين، وهو أنهم يخشونه ٥ في السِّر، مع علمهم برحمته الواسعة، ويرجعون عن معصية الله ويقبلون على طاعته، ولا يبطلون عملهم الصالح في أواخر أعمارهم، فيأتون يوم القيامة مُنيبين.

وفي هذا ما يؤكِّد على أن "الخشية النافعة خشيته ٥ في الغيب والشهادة"، (٢)

وأنه من أسباب حُسن الخاتمة. وفي وصفه تعالى بالرحمة، ووصف القلب بالإنابة، استدعاءٌ للمشركين وتلطيف بالعصاة أن لا يقنطوا من رحمة الله وأن "لا ييأسوا من قبول التوبة بسبب كثرة ما سيق إليهم من الوعيد جريًا على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب والعكس" (٣).

وفي اقتران اسم الرحمن بالخشية، تنبيهٌ على أن علم المتقين بسَعة رحمته ٥ لا يصدُّهم عن خشيته، وأن خشيتهم "تكون مقرونةً بالأُنس


(١). التفسير الحديث (٢/ ٢٤١).
(٢). تفسير السعدي (٧/ ١٧٠٣).
(٣). التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٣/ ٢٩٥).

<<  <   >  >>