للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: هاتان الآيتان واردتان في معالجة حالة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - النفسيَّة والقلبيَّة أولًا، وعلى تربية حملة رسالة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - من العلماء والدعاة من أمته (١).

ففيها حثُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصبر وبيان ما يستعين به عليه من التسبيح والتحميد الذين تشتمل عليهما الصلاة، والأمر بـ"التأسي به سبحانه في الصبر على ما يقول أعداؤه فيه، كما أنه سبحانه صبر على قول اليهود: إنه استراح! «وَلَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنْهُ» (٢) " (٣).

وفي الآية دلالةٌ على أن الصبر يكتسب بالتصبُّر، وتأكيدٌ على عِظم الصلاة وأثرها في حل الأزمات الداخليَّة والخارجيَّة، و"أن الصلاة أعظم تِرياق للنصر وإزالة الهم، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبَهُ أمرٌ فَزِع إلى الصلاة" (٤).

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}: هاتان الآيتان واردتان أيضًا في تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففيها "تصوير يوم مصيبة المشركين وقربه وبيان ما فيه لهم من المثُلات وقوارع المصيبات" (٥)، وتذكيرٌ له - صلى الله عليه وسلم - بما يكون من أمر الآخرة من "نداء المنادي برجوع الأرواح إلى أجسادها للحشر" (٦) والخروج من الأجداث؛ لأن ازدياد اليقين بالآخرة


(١). معارج التفكر، للميداني (٣/ ١٣٠).
(٢). هذا لفظ حديث، أخرجه البخاري (٦٠٩٩)، ومسلم (٢٨٠٤) عن أبي موسى الأشعري.
(٣). الفوائد، لابن القيم (ص ١٩)، وانظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، له (٢/ ٣٤٠).
(٤). انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٤٤٠).
(٥). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٤٤٠).
(٦). الفوائد، لابن القيم (ص ٢٠).

<<  <   >  >>