للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجدده من أعظم ما يعين على الصبر، فباليقين ينشرح الصدر ويستمدُّ قوَّة معنويَّة كبيرة تتضاءل معها خطوب الدنيا وهمومها. وفي هذا تلقين روحاني للدعاة للاعتناء بذِكر الآخرة ليكون عونًا للداعية في رحلته.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ}: هذه الآية واردةٌ في تقرير عقيدة البَعْث بعد الموت، ففيها التذكير بأن المحيي والمميت هو الله لا شريك له، والاستدلال بذلك على البَعْث الذي هو الإحياء الأعظم، لأن "المعاد ليس بأصعب من المبدأ، فمن أقرَّ به وأنكر البَعْث كان معاندًا أو مجنونًا قطعًا" (١). "فمن أحيا أولًا ثم أمات، فلا عجب أن يعيد من أماته إلى حياة أخرى ليلاقي حسابه وجزاءه على ما قدَّم في الحياة الأولى، التي كانت رحلة امتحانه، وأن المصير بعد رحلة الابتلاء في الحياة الدنيا إلى الرب الخالق" (٢).

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}: هذه الآية واردةٌ في الاستدلال بإمكان الحشر بعد تحقيق أمر البَعْث في الآية السابقة، ففيها ذِكر صورة خروج الناس من قبورهم وهو تَشقَّق الأرض عنهم كما يتشقق النبات، في زمن غير طويل، ثم اجتماعهم في المحشر، مهما بعدت قبورهم عن أرض المحشر، كما ورد في حديث: «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ» (٣). وفي هذا تأكيدٌ على كمال قدرة الله وشمول علمه لكل الأشياء، ومنها الأجزاء المتفرقة المتحللة المختلطة بالتراب المدفونة في الأرض. وهو ردٌّ لقول المشركين: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}.


(١). انظر: نظم الدرر، للبقاعي (١٨/ ٤٤١ - ٤٤٢).
(٢). معارج التفكر، للميداني (٣/ ١٣٥).
(٣). رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}، (ح ٤٩٣٥)، (٦/ ١٦٥). وانظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>