للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}: هذه الآية خاتمة السُّورة، وهي تأكيدٌ لِما تضمَّنته السُّورة من تقرير البَعْث والرِّسالة، مع الإعراض عن مواجهة المكذِّبين بالخطاب، وتوجيه الخطاب إلى الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتملت على ثلاث جمل مُوجَزة:

فقوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ}: فيه تَسْليةٌ وطمأنة من الله - عز وجل - للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بشأن مقالات قومه المكذِّبين، وكناية عن وعد الله لرسوله بأنه ٥ سينتصر له منهم، وتهديد ووعيد من الله للذين يؤذون الرَّسول بأقوالهم بأنه سينتقم منهم وينصر رسوله، فقد "أخبر سبحانه أنه عالِم بما يقول أعداؤه، وذلك يتضمَّن مجازاته لهم بقولهم؛ إذ لم يخفَ عليه، وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الجزاء" (١).

وقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}، فيه بيانٌ لحقيقة الرِّسالة وحقيقة الدعوة، وتطمينٌ للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه غير مسؤول عن عدم اهتدائهم؛ لأنه إنما بُعث داعيًا وهاديًا، وليس مبعوثًا لإرغامهم على الإيمان. وفيه تأكيدٌ على أن الداعي غير مكلَّف بهداية قومه، بل يكفي دعوتهم، وبيان الحق لهم، إتمامًا للحُجَّة، وإبراءً للذمة.

{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}: هذه خاتمة الختام، وفيه تأكيدٌ على أن التذكير والذكرى مداره على هذا القرآن، وفيه تعليمٌ للعلماء والدعاة أن يكون محور دعوتهم مرتكزًا على هذا القرآن العظيم، وربط الناس به على كل الأحوال، وفي كل مجال (٢). ولهذا خُتمت به السُّورة كما بُدئت به: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}.


(١). الفوائد، لابن القيم (ص ١٤).
(٢). انظر: كوكبة الخطب المنيفة، للسديس (١/ ٥٧ - ٥٨).

<<  <   >  >>