للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيبقى قولهم: إن تلك الأوائل كيف كانت موجودة فينا ولا نشعر بها أو كيف حصلت بعد أن لم تكن من غير اكتساب ومتى حصلت؟ فنقول: تيك العلوم غير حاصلة بالفعل فينا في كل حال، ولكن إذا تمت غريزة العقل فتيك العلوم بالقوة لا بالفعل، ومعناه أن عندنا قوة تدرك الكليات المفردات بإعانة من الحس الظاهر والباطن، وقوة مفكرة حادثة للنفس شأنها التركيب والتحليل وتقدر على نسبة المفردات بعضها إلى بعض، وعندنا قوة تدرك ما أوقعت القوة المفكرة النسبة بنيهما من المفردات والنسبة بينهما بالسلب والإيجاب، فتدرك القديم والحادث وتنسب أحدهما إلى الآخر، فتسبق القوة العاقلة إلى الحكم بالسلب، وهو أن القديم لا يكون حادثا، وتنسب الحيوان إلى الإنسان فتقضي بأن النسبة بينهما الإيجاب، وهو أن الإنسان حيوان.

وهذه القوة تدرك بعض هذه النسب من غير وسط، ولا تدرك بعضها فتتوقف إلى الوسط، كما تدرك العالم والحادث والنسبة بينهما، فلا تقضي بالسلب كما قضت بين القديم والحادث، ولا يالإيجاب كما قضت في الحيوان والإنسان، بل تتوقف إلى طلب وسط وهو أن تعرف انه لا يفارق الحوادث فلا يسبقها، وإن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث.

فإن قيل: فهذه التصديقات قسمتموها إلى ما يعرف بوسط وإلى ما يعرف معرفة اولية بغير وسط، ولكن هذه التصديقات يسبقها التصورات لا محالة، إذ لا يعلم أن

<<  <   >  >>