للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف لا تكون السُنَّةُ شرعًا ودينًا وعليها قوام بناء الدين، وكفاها فخرًا أنْ يجعلها رب العزة والجلال طريق الوصول إليه لمن أراد غفرانه وجنَّته: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (١).

أما ما استدلوا به من أنَّ نهي النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كتابة السُنَّة دليل على عدم حُجِيَّتِهَا فهو استدلال لا ينهض لأنَّ عدم الكتابة ليس دليلاً على عدم حُجِيَّتِهَا وإخراجها من مصدر التشريع لأنَّ المكتوب في حد ذاته لا يكون حُجَّةً حتى يقوم الدليل على صدق نسبته إلى كاتبه بَيْدَ أَنَّ تشكيل المجتمع على السُنَّة العملية أقوى حُجَّةً وأكثر ضمانًا من المكتوب في الكراريس دون نزوله إلى محيط العمل لذا يقول الأستاذ المودودي: «ترك النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مجتمعًا متكاملاً على سُنَّته والذي نقل كل حركة من حركاته بختم هدايته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وكان هذا المجتمع يحوي ألوفًا من البشر ممن سمع أقواله وشاهد أفعاله وتربى في كنف هدايته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فنقل هؤلاء كل النقوش إلى من بعدهم نسلاً بعد نسل حتى وصلت إلينا» (٢).

ثم لا يخفى على المُطَّلِعِ البصير أَنَّ ما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث رسميًا كالقرآن أما أَنْ يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه وإقراره - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - على ذلك كما رُوِيَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص في " مسند أحمد " (٣) أَنَّ بعض الصحابة اشتكوا سوء حفظهم لما يسمعون منه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فقالوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ أَحَادِيثَ لاَ نَحْفَظُهَا، أَفَلاَ نَكْتُبُهَا؟ قَالَ: " بَلَى، فَاكْتُبُوهَا "»


(١) [الأحزاب: ٢١].
(٢) " سنت کي اءيني حيثيت ": ص ١٦٠.
(٣) ٢/ ٢١٥.

<<  <   >  >>