ثم لو سلمنا - جَدَلاً - بصحة الرواية، فهناك خلاف بين المحبوسين، فالذهبي يذكر ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود - بينما يذكر ابن حزم - ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر، فهل تكرر الحبس من عمر؟ ولو تكرر لاشتهر، ثم إنَّ خبرًا كهذا يجب أنْ ينتشر في الآفاق من غير أنْ يحتمل الشك في المحبوسين، ولو سلمنا أَنَّ العبرة في الحادثة نفسها فإنَّ هناك صحابة أكثر منهم حديثًا لم يردنا خبر عن حبسهم، فلا يعقل أنْ يحبس بعضًا دون بعض في قضية واحدة. فيحبس هؤلاء ويترك أبا هريرة وهو أكثر حديثًا منهم. فقد روى [٥٣٧٤] حديثًا. هذه يدلك على أنَّ هذه الحادثة فرية وأكذوبة. ولأنَّ ابن مسعود كان من كبار الصحابة وأقدمهم إسلامًا وله مقام كبير في نفس عمر حتى أنه حين أرسله إلى العراق لِيُعَلِّمَ أهلها الدين والأحكام اِمْتَنَّ عليهم بقوله:«وَلَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِعَبْدِ الله عَلَى نَفْسِي».
وأما أبو ذر فمهما نقل عنه من حديث فهو لم يبلغ جزءًا ما رواه أبو هريرة، فَلِمَ يحبسه ولا يحبس أبا هريرة؟ (١).
يتبيَّنُ من هذا أنَّ ما نسب إلى عمر ليس بصحيح، بل مختلق مكذوب، بل على العكس فإنَّ هذه الأخبار على فرض صحتها، لا تدل على عدم اعتداده بالسُنَّة النبوية، بل على أنه كان يريد التثبت لا أكثر.
٧ - قالوا: إنَّ بعض الصحابة - كابن عباس وعائشة - رَدُّوا على أبي هريرة بعض حديثه وَكَذَبُوهُ وَمَثَّلُوا لذلك بحديث «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ»، فلم يأخذ ابن عباس بخبره وقال:«لاَ يَلْزَمُنَا الوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ». يريدون من هذا أنْ يثبتوا أَنَّ الصحابة كان يضع بعضهم بعضًا موضع النقد والطعن. وليس فيه دليل على ما زعموا وإنما هو نقاش
(١) " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ٦٤، ٦٥ و " السُنَّة قبل التدوين ": ص ١٠٩، ١١٠.