١٣ - يزعمون أَنَّ السُنَّة لما دخلها من الوضع ورواية بالمعنة لم تعد مَحَلاًّ للثقة والاعتماد، يقول أبو رية [ص ٨] أنه بعد أنْ لبث زمنًا طويلاً يبحث ويُنَقِّبُ بعد أَنْ أخذ نفسه بالصبر والأناة، انتهى إلى حقائق عجيبة ونتائج خطيرة: «ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث (كلها) - مِمَّا سَمَّوْهُ صحيحًا أو ما جعلوه حسنًا - حديث قد جاء على حقيقة لفظه ومُحْكَمِ تركيبه كما نطق به الرسول ... وقد يوجد بعض ألفاظ مفردة بقيت على حقيقتها في بعض الأحاديث القصيرة، وذلك في القلة والندرة، وَتَبَيَّنَ لي أنَّ ما يسمُّونه في اصطلاحهم حديثًا صحيحًا إنما كانت صِحَّتُهُ في نظر رُوَّاتِهِ لاَ أَنَّهُ صَحِيحٌ في ذاته».
إنه يريد أنْ يُفْهِمَ القارئَ أنَّ السُنَّة لم يأت فيها حديث على مُحْكَمٍ لفظه وأصل تركيبه، وأنها قد دخلها الكثير من التغيير والتحريف والتبديل وأنَّ رواية الحديث بالمعنى هو الأصل والقاعدة ومجيئها على اللفظ النبوي أمر شاذ ونادر ... الخ.
«ونحن لا نقول: إِنَّ الأحاديث كلها رُوِيَتْ بألفاظها، وكيف وقد ثبت أنَّ القصة الواحدة أو الواقعة رُوِيَتْ بألفاظ مختلفة وإنْ كان المعنى واحداً؟ ولا نقول: إنَّ الأحاديث كلها رُوِيَتْ بالمعنى - كما زعم - وكيف ومن الأحاديث ما اتفقت الروايات على لفظها؟ أفلا يدل اتفاق الروايات على اللفظ أنَّ هذا حقيقة اللفظ المسموع من الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ومن الأحاديث ما لا يشك متذوق للبلاغة أنها من كلام أفصح العرب، وأنها لن تخرج إِلاَّ من مشكاة النبوَّة»(١).
وبعد هذا يعلم أنَّ الرواية بالمعنى قد منعها كثير من العلماء كما أجازها بعض الآخرين لمن كان عارفًا بالألفاظ والأساليب خبيرًا بمدلولاتها والفروق
(١) انظر " دفاع عن السُنَّة " الدكتور محمد أبو شُهبة: ص ٥٢.