للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تَصَيَّدَ من كلام النظام وغيره من ساداته ما زعم أنه يشهد له.

والحقيقة أَنَّ الصحابة كانوا يَرْوُونَ عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالذات كما كانوا يَرْوُونَ عنه بالوساطة عن صحابي آخر، وفي بعض الأحيان كان يراجع بعضهم بعضًا فيما يرويه، إما بالتثبت والتأكد لأنَّ الإنسان بنسى أو يغلط وإما لأنه ثبت عنده ما يخالفه أو ما يخصِّصُهُ أو يُقَيِّدُهُ، فليس من الإنصاف أَنْ نَتَّخِذَ من هذه المراجعة دليلاً على اتِّهام الصحابة بعضهم لبعض وتكذيب بعضهم لبعض.

وكل ما ذكره من تكذيب عمر وعثمان وعَلِيٍّ له وأنَّ عَلِيًّا كان سيء القول فيه لا يعدو أنْ يكون دعاوى كاذبة مُزَوَّرةٌ، وهذه كتب الثقات في تاريخ الصحابة وحياتهم لا تكاد تجد فيها شيئًا مِمَّا زعم وادَّعَى.

وهذه من «الدعاوى الكاذبة التي يطنطن بها [المُبَشِّرُونَ] والمُسْتَشْرِقُونَ ومن تابعهم من الكُتَّابِ المعاصرين الذين جعلوا من أنفسهم أبواقًا لترديد كلامهم» (١).

وهو في الحقيقة لا يرمي إلى اتِّهَامِ أبي هريرة أو غيره من الصحابة، بل أنه يَتَّخِذُ من اتِّهَامِهِمْ سبيلاً إلى بطلان السُنَّة. فإذا تحقق له تهديم أبي هريرة وغيره فقد تحقق له هدم السُنَّة وبطلانها.

جاء في " تاريخ بغداد ": «أنَّ هارون الرشيد - لما أراد ضرب رأس (شاكر) رأس الزنادقة في عصره، سأله عن سبب اتخاذ الزنادقة لخطَّتهم في ابتدائهم مع من يطمعون بتزندقه، بتعليمه كراهية بعض سادات الصحابة، فقال شاكر: «إنَّا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة أوشك أنْ نُبطل المنقول» (٢).


(١) اقتباس من كلام أبي شُهبة في كتابه " دفاع عن السُنَّة ": ص ١٣١.
(٢) " دفاع عن أبي هريرة " للشيخ عبد المنعم صالح العلي العزي: ص ٨.

<<  <   >  >>