للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتحريف، والتبديل، وضبط المتون، والمشكلات من المعاني، مع الإحاطة بالتواريخ، والأنساب.

وطرّز أكمام فضله بمجالس تذكيره، الذي تتصدع صم الصخور عند تحذيره، وتتجمع أشتات العظام النخرة عند تبشيره، وصغى آذان الحفظة لمجاري نكته، وتختطف الملائكة لفاظة إشاراته من شفته، ويخترق حجب السبع الشداد صواعد دعواته ويطفئ أطباق الجحيم سوابق عبراته، وهو مع ذلك متخلق بأحسن الأخلاق، متمكن بتواضعه

وتودده من الأحداق، رافل جلابيب أهل الصفا، مراع لعهود الإسلام (١) بحسن الوفا، مجموع له الأخلاق الحميدة، ثابت له الحقوق الأكيدة. خلف أباه ببلدته، في مجالس التدريس، والنظر، والتذكر، وزاد عليه في الخطابة والقبول التام بين الخاص والعام، وصبر على مكابدة الخصوم اللد، ومقاومة المعاندين والمخالفين، ونفق سوق تقواه وورعه عند الملوك والأكابر، حتى عظموا خدمته وتبركوا به، وبنصحه، وكلامه، وصار قطب قطره، حشمة، وحرمة، وجاها، ومنزلة، مستغنيا بكفافه، وما آتاه الله من غير منة مخلوق، عن التعرض لمنال شيء من الحطام قاصرا همه وأيامه على الإفادة، ونشر العلم، مد الله في عزيز أنفاسه، وأبقاه حجة على العلماء. هذا آخر كلام عبد الغافر.

قال الحافظ أبو سعيد: أملى والدي رحمه الله مائة وأربعين مجلسا، في غاية الحسن والفوائد، بجامع مرو، واعترف له بأنه لم يسبق إلى مثلها، وصنف تصانيف في الحديث.

وكان يملي في مجلس وعظه الأحاديث بأسانيدها، فاعترض عليه بعض المنازعين، وقال: محمد السمعانيّ يصعد المنبر، ويعد الأسامي، ونحن لا نعرف، ولعله يضعها في الحال، وكتب هذا الكلام في رقعة، وأعطيت له،


(١) في طبقات الشافعية للسبكي: «لعهود الأسلاف».