الثاني: أن يكون الآمر يرى الإعانة للمأمور مصلحة له، كالأمر بالمعروف، وإذا أعان المأمور عَلَى البر والتقوى، فإنه قد علم أن الله يثيبه عَلَى إعانته عَلَى الطاعة، وأنه في عون العبد ما كَانَ العبد في عون أخيه. فأما إذا قدر أن الآمر إنما أمر المأمور لمصلحة المأمور لا لنفع يعود عَلَى الآمر من فعل المأمور، كالناصح المشير، وقدر أنه إذا أعانه لم يكن ذلك مصلحة للآمر، وأن في حصول مصلحة المأمور مضرة عَلَى الآمر، مثل الذي جَاءَ من أقصى المدينة يسعى، وقال لموسى عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:٢٠] فهذا مصلحته في أن يأمر موسى عَلَيْهِ السَّلام بالخروج، لا في أن يعينه عَلَى ذلك، إذ لو أعانه لضره قومه، ومثل هذا كثير.
وإذا قيل: إن الله أمر العباد بما يصلحهم، لم يلزم من ذلك أن يعينهم عَلَى ما أمرهم به، لا سيما وعند القدرية لا يقدر أن يعين أحداً عَلَى ما به يصير فاعلاً.
وإذا عللت أفعاله بالحكمة، فهي ثابتة في نفس الأمر، وإن كنا نَحْنُ لا نعلمها، فلا يلزم إذا كَانَ في نفس الآمر له حكمة في الأمر أن يكون في الإعانة عَلَى فعل المأمور به حكمة، بل قد تكون الحكمة تقتضي أن لا يعينه عَلَى ذلك. فإنه إذا أمكن في المخلوقات أن يكون مقتضى الحكمة والمصلحة أن يأمر بأمر لمصلحة المأمور، وأن تكون الحكمة والمصلحة للآمر أن لا يعينه عَلَى ذلك، فإمكان ذلك في حق الرب أولى وأحرى.
والمقصود: أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا يعينه عليه، فالخالق أولى بإمكان ذلك في حقه مع حكمته، فمن أمره وأعانه عَلَى فعل المأمور، كَانَ ذلك المأمور به قد تعلق به خلقه وأمره نشأةً وخلقاً ومحبةً، فكان مراداً بجهة الخلق ومراداً بجهة الأمر.