فاحتجوا عَلَى عبادتهم للأصنام بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لو شاء ما أشركوا، وعلى تحريم ما أحل الله بأن الله عَزَّ وَجَلَّ لو شاء ما حرموا من دونه من شيء، كما في سورتي الأنعام والنحل، وأنهم لو شاء الله ما عبدوا هذه الآلهة. والرد عَلَى إبليس وعلى الْمُشْرِكِينَ قد سبق بيانه في أكثر من مرة عند تعرضنا لموضوع القدر، ومن الردود عَلَى ذلك ما ذكره المُصْنِّف بقوله:
الرد على الشبهة الإبليسية والشركية
(من أولى الأوجه ومن أحسنها: أنه أنكر عليهم ذلك لأنهم احتجوا بمشيئته عَلَى رضاه ومحبته) فحجة الْمُشْرِكِينَ قولهم: ما دام أن الله شاء أن نعبد الأصنام إذاًً هو راضٍ أن نعبدها، ولهذا جَاءَ تكذيبهم بأن الله بعث الرسل، وقد قال تَعَالَى في سورة النحل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:٣٦] فليس الأمر كما يزعمون، فإذا كَانَ الله تَعَالَى راضياً بما هم عليه من الشرك فلماذا يرسل رسلاً ينهون عنه، وينزل عليهم كتباً فيها تكفيريهم واستباحت دماءهم وأموالهم؟!! إذاً لا تدل مشيئته عَلَى رضاه ومحبته، ولا تلازم بين المشيئة وبين المحبة.
الوجه الثاني في الرد عَلَى شبهتهم في اعتقادهم أن مشيئة الله دليل عَلَى أمره به، فيقولون: إنه ما دام أن الله شاءه، فقد هو أمر به وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:٢٨] والعياذ بالله، وهذه حجة من حجج الكفار الباطلة وهي: أنهم يحتجون عَلَى ما يفعلون بأن الله أمر به، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يأمر بالفحشاء، ولذلك قَالَ: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:٢٨] هذا من التقول عَلَى الله بلا علم؛ لأنه لا يأمر بالفحشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.