ولذلك نجد السيرة كلها محفوفة بما يدل عَلَى نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو في كتاب دلائل النبوة للبيهقي، وهو -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- من المحدثين المهتمين بعلم الحديث، والنقاد الذين لهم خبرة ودراية بهذا الفن، ألف كتاباً بعنوان دلائل النبوة، فما هي دلائل النبوة التي جمعها وألفها البيهقي؟ هل تراه ألف في الأمور الحسية وخوارق العادات فقط؟! لا، إنما هو كتاب عن سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه منسيرة ابن هشام، فيذكر حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغزواته وأموره وأعماله، ففي كل غزوة وفي كل عمل من أعماله بينة تدل عَلَى صدقه.
كما في بدر وفي الهجرة، وفي معاملته مع أزواجه، وفي معاملته مع اليهود، وفي معاملته مع الْمُشْرِكِينَ، وفي كتبه التي كاتب بها الملوك، كل ذلك دال عَلَى نبوته.
وانظر التشريعات التي يأتي بها، فكلمة واحدة يقولها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصبح قاعدة من أعظم القواعد التي ترجع إليها أصول عظيمة من أصول التشريع، مثل:(لا ضرر ولا ضرار) ومثل: (الضمان بالخراج) يعجز أن يأتي بمثل هذه العبارات والتشريعات القانونيون الوضعيون أو المفكرون المبدعون، أو أن يشبه أحد من هَؤُلاءِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أجل وأرفع من ذلك؛ لأنه يتكلم بكلام من عند الله وبنور الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفت بقرائن كثيرة تدل عَلَى صدقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك كل أمر من أموره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.