ولذلك يقول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ:[وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز، فإن الرَّسُول لا بد أن يخبر النَّاس بأمور ويأمرهم بأمور، ولا بد أن يفعل أموراً يبين بها صدقه. والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة، والصادق ضده بل كل شخصين ادعيا أمراً، أحدهما: صادق، والآخر كاذب. لا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا] كما سيأتي شرحه.
هرقل يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة في مناظرته لأبي سفيان
إن من أعظم المناظرات في التاريخ هذه المناظرة التي جرت بينأبي سفيان وبين هرقل في شأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فزعيم أعظم أمة متحضرة في العالم في ذلك الحين -الأمة التي تحمل لواء الحضارة العالمية وتسيطر عَلَى نصف العالم الغربي- يناظر العدو اللدود للدعوة آنذاك والذي يرفع لواء محاربة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أبو سفيان فذاك يسأل وهذا يجيب.
ومن المعلوم أن هرقل ليس بمتهم أن يمالئ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يجامل معه، وما الذي يدعوه إِلَى ذلك وهو لا يعرفه؟ وكذلك أبو سفيان ليس بمؤمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يداري في الجواب ليجامله، بل كَانَ يتحين الفرصة للطعن في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولذلك لم يجد مطعناً يمكن أن ينفذ منه إلا لما قَالَ:"وبيننا وبينه عهد لا ندري ماذا يفعل؟ " ولم يستطع أن يتهمه أنه غادر أو كاذب، ثُمَّ تكون النتيجة بعد تلك المناظرة الاقتناع بصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلا يمكن أن يلتبس أمر من يدعي النبوة وهو كاذب بأمر الرَّسُول حقاً، ولا سيما نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.