يقول الإمام ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله تعالى أجمعين:(إني لأكون في حال، أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي نعيم) ، ما هي هذه الحال؟ إنها حال تلذذ القلب بذكر الله سبحانه وتعالى والأنس به، ومناجاته والتضرع إليه سبحانه وتعالى، وقرة عينه في الآخرة التي هي قرة العين العظمى والغاية الكبرى ليست في نعيم الجنة: من الحور والولدان والمتاع والفاكهة واللحم، وإنما تكون قرة العين العظمى والكبرى والنعيم الأعظم واللذة التي لا يعدلها لذة، هي رؤية الله سبحانه وتعالى، فهو الذي تقر به العين ورؤيته تعدل جميع أصناف وجميع أنواع النعيم الذي أعده الله سبحانه وتعالى لهم في الجنة.
فذكر بعد ذلك المصنف رحمه الله أن هذه الزيادة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجهه الكريم، وهذه الطريق جاءت مرفوعة صحيحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت جاءت عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كما روى ذلك الإمام ابن جرير الطبري عن أبي بكر وحذيفة وأبي موسى وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين، بالإضافة إلى أن علي بن أبي طالب وأنس بن مالك فسروا قول الله تعالى وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ بأنها رؤية الله سبحانه وتعالى. فالآية من كتاب الله واضحة جلية، فلم يبق بعد ذلك مجال لمؤول ولا لمنكر وهذا الدليل الثاني.
والدليل الثالث على رؤية الله تبارك وتعالى هي قوله جل شأنه في حق الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ َ [المطففين:١٥] وهذه الآية احتج الشافعي رحمه الله بها على الرؤية كما ذكر ذلك المصنف فقالالشافعي: (لما حجب هؤلاء بالسخط -أي: عن رؤيته- كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا) فمقتضى رضاه أن يراه أولياؤه وأحباؤه المؤمنون كما كان من مقتضى سخطه وغضبه على الكافرين أن يمنعهم عن رؤية وجهه الكريم.