ومن نفس مدخل الغلو وحُبِّ النبيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخلوا، فألّهوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفعوه عن منزلةِ البشرية إِلَى منزلةِ الألوهيةِ، وجعلوه نداً لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يعلم الغيب، ويُدخِلُ الجنة من شاء -عياذاً بالله- وعندما نَعرِضُ هذهِ الأمور عَلَى الآياتِ والأحاديثِ يَظهرُ لَنَا كَذِبَ هَؤُلاءِ، وإن زعموا ما زعموا من المحبة.
وهذا يذكرنا بما عليه كثير من النَّصَارَىالذين زعموا أن عيسى إله، ويسمونه الرب "يسوع" ويؤلفون الكتب في ذلك، ويذهبون إِلَى غابات إفريقيا وآسيا ليدعو النَّاس إِلَى دينه، وهم صادقون مع أنفسهم في محبته؛ لكن هذه المحبة أفضت بهم إِلَى الكفر والشرك ولم تنفعهم محبتهم له عند الله، وكذلك عيسى عَلَيْهِ السَّلام لم يرض بها لنفسه أبداً.
ومثله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرض بهذا الغلو، بل نهى عنه فقد قَالَ:(لا تطروني كما أطرت النَّصَارَى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) .
ثُمَّ يقول المصنف:[وقال الله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:٥٤]] فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المتفرد بالخلق والأمر، وفي هذه الآية دليل لأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى إثبات صفة الكلام لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه يتكلم بما شاء متى شاء.
فمن ذلك مثلاً كلمة "كن" فالله تَعَالَى يتكلم بالأمر، فإذا قَالَ:"كن"، فهذا أمره، فإذا كَانَ ما أمر به فهو خلقه، وفي هذه الآية دليل عَلَى أنه لا يجوز لأحد غير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يشرع للناس بأي حال من الأحوال، فالشرع المتبع إنما هو شرع الله ودينه، لأن الله تَعَالَى هو الذي خلق الخلق، فكيف يكون له الخلق ويكون لغيره الأمر والنهي؟