أما ما يدل عليه القُرْآن والسنة؛ بل الفطرة السليمة والعقول القويمة فإنها تدل عَلَى علو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وليس هذا موضع التفصيل فيه؛ لكن الموضع موضع عرض الشبهة التي وقعت عندهم. قالوا: إن إنزال القُرْآن لا يعني علو الله عَزَّ وَجَلَّ، ولا يعني أنه غير مخلوق، إنما هو كإنزال الحديد في قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا الْحَدِيد [الحديد:٢٥] وإنزال الأنعام في قوله تعالى: وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:٦] ، وقالوا وإنزال المطر والأنعام والحديد لا يستلزم جهة العلو
وهنا بدأ الشارح -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يفصل في الرد عليهم فنبه عَلَى أن هناك فرقاً واضحاً بين الإنزال هنا والإنزال من عند الله، كما في الآيات التي مرت معنا) >تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ * قُلْ نزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:١٠٢] قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّه [القصص:٤٩] فإنزال القُرْآن يأتي بعده (من) الجارة ويأتي بعدها ما يدل عَلَى أنه من عند الله: إما بلفظ الجلالة أو صفة من صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فالقرآن لم يأتِ فيه مجرد الإنزال المطلق، إنما هو إنزال مقيد بأنه من عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وأما إنزال المطر فإنه جَاءَ في القُرْآن مقيداً بحرف الجر "في" في ثلاثة مواضع في قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [الفرقان:٤٨] وقوله: أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:٦٩] وقوله: وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً [النبأ:١٤] وهذه الآيات لو تأملناها لوجدنا