الأول: بمعنى الجرم المعروف لقوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:١] فذات البروج هي السماء التي هي الجرم أو الجسم الذي له أبواب وفيه الملائكة وصفاته الأخرى المعروفة.
الثاني: تطلق بمعنى العلو علي أي شيء عالٍ نقول: هذه المروحة في السماء أي فوق، ونقول: السحاب في السماء أي أنه فوقنا في العلو فقط وليس المقصود أنه في نفس جسم السماء، والقمر في السماء كما قال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان:٦١] فالسراج الذي هو الشمس والقمر في السماء أي في العلو -في جهة العلو- ولا يعني ذلك أنه ملتصق بنفس جرم السماء وإنما هو في جهة العلو. وعلى هذا فالمعنى الأول وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً في الآية الأولى واضح فالمطر نزل من العلو إِلَى الأسفل وفي هذا إثبات للعلو.
والعلو أيضاً وارد كما أن القُرْآن أنزله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو عال عَلَى مخلوقاته، ونزل به جبريل عَلَى مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالمعنيان ليس فيهما تناقض بل هما متفقان، وكذلك ما ورد من الإنزال من المزن أو من المعصرات -السحب- فالمطر ينزل منها من العلو إِلَى الأسفل وهذا أيضاً يتفق مع نزول الوحي من جبريل عَلَيْهِ السَّلام إِلَى مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل هذه المعاني لا إشكال فيها بل هي متفقة عَلَى أن النزول يكون من أعلى إِلَى أسفل.
أما إنزال الحديد والأنعام فقد جَاءَ في القُرْآن مطلقاً ولم يرد مقيداً، هذا هو الفرق الأول، ثُمَّ لو تأملناه لوجدنا فيه مناسبة أيضاً وذلك في كونه من العلو إِلَى الأسفل كما ذكر المُصنِّفُ أن الحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال وكلما ارتفع المعدن أو المنجم كلما كَانَ الحديد أجود، فهذا يحتمل أيضاً أن الحديد ينزل من الجبال ثُمَّ يستخدم.