للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما علماء الإسلام منأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فلم يأتِ بهم؛ لأنه تعلم من علم الكلام: أن إيمان العوام، وإيمان النَّاس بالدين، وبالأدلة السمعية، مجرد تقليد والعياذ بالله، قالوا: هذا اليهودي يأخذ اليهودية عن أبيه عن جده، والمسلم يأخذها عن أبيه عن جده، فأغفلوه عن الحق ونسي أن في هذا الدين اليقين، وأنه دين الفطرة، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بالهدى التام، وبالحق الكامل، الذي يغني عما عند المتكلمين والباطنية والفلاسفة والصوفية، لكن هذه هي بداية الانحراف، وبداية الزلل، فقد كانت هذه الأشياء كلها تتفاعل في نفس الغزالي

ومع ذلك هو يعلم ويفتى النَّاس ويتحدث إليهم، وهؤلا النَّاس لا يدرون، فأقبل عَلَى كتب المتكلمين، فأخذ منه ونهل كما قَالَ: حتى بلغ فيه درجة عليا، وأخيراً لم يجد فيه اليقين، لأنها نفسية حساسة شفافة، وفي منتهى الذكاء والفهم، وجد فيه تناقضاً واضطراباً فرفضه، بعد أن ألف فيه كتباً وقَالَ: إنه علم عظيم.

ودخل في الباطنية، ولم يجد عندهم إلا الشر والشؤم والكفر والضلال المحض، فرفضهم ورفض ما هم عليه، ثُمَّ دخل في الفلسفة مع أنه رد عَلَى الفلاسفة في كتاب سماه تهافت الفلاسفة وهو من أكبر الردود عليهم، وكفَّرهم، لكنه دخل وتعمق فيهم، وأخيراً قال: لم أجد اليقين.

ودخل في الصوفية أخيراً، ولما كتب كتابه المنقذ من الضلال الذي هو في نظره التصوف يقول فيه: الآن وجدت الحق وعرفت الطريق، وأن الهدى واليقين لا يُتلقى لا عن طريق العقل كما يقول علماء الكلام، ولا عن طريق الإمام المعصوم كما تقول الباطنية، ولا عن طريق الفلسفة، وإنما يتلقى اليقين عن طريق الكشف والذوق والوجد وهذا هو مصدر الحق واليقين، ثُمَّ بعد أن تعمق في التصوف كتب: إحياء علوم الدين وهو أجل وأكبر كتب أبي حامد الغزالي في هذه الفترة التي رأى أنه لا بد أن ينتقل فيها إِلَى التصوف.

<<  <   >  >>