للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجهاد عند الصوفية هو: مجاهدة النفس، ولو كانوا حقاً يجاهدون النفس لجاهدوا ولتكلموا عن الجهاد، ولأمروا بالمعروف، ولنهوا عن المنكر؛ لأن النفس لن تصل أبداً في أي مرحلة من مراحل العمر إِلَى اليقين الكامل الذي يزعمونه، إنما بمجاهدتها بالصلاة وبقراءة القرآن، وبالأمر بالمعروف، وبقتال الكفا ممكن أن تتقوى لتصل؛ لكن يريدونها أن تصل أولاً! فيموتون ولم تصل؛ هذا هو واقع النفس جعلها الله تَعَالَى متقلبة مترددة، وليست كأي علم من أنواع العلوم يتعلمه الإِنسَان حتى يبلغ النهاية ويثبت.. لا. فهذه يمكن أن ترتفع وتنخفض عَلَى حسب نسبة الإيمان.

فالشاهد أن الغزالي كتب عن هذه المعاني جميعاً.

بعض تناقضات الغزالي

ولما كتب في كتاب الإحياء عن العقيدة، كتب عن التوحيد وعقد له باباً أسماه قواعد العقائد، ضمن كتاب الإحياء، وهذا الكلام المنقول هنا هو منه، ولهذا نرى التناقض والاضطراب في حياة الغزالي وفي كلامه، فإذا كنت قد رفضت علم الكلام، وهو أول ما بدأت به، ووصلت إِلَى الاقتناع.

فلماذا ترجع في الإحياء إِلَى علم الكلام، لأنه بدأ الكلام بالذم لعلم الكلام وبعد، صفحتين بدأ يقول: إن علم الكلام يدفع الشبهات، وينفع في تثبيت العقيدة، وينفع في الرد عَلَى الملحدين، فهذا تناقض كيف يكون هذا الكلام؟ وأبو حامد لما كَانَ فيبيت المقدس يتعبد، جاءت الحروب الصليبية وسمع بمقدمها وعاد مرة ثانية إِلَى بلاد المشرق، وهنالك قبيل آخر أيام حياته ألف كتاباً اسماه إلجام العوام عن علم الكلام بدأ من جديد يرد، ويرفض علم الكلام ويقول: إنه علم كله شر وكله فساد، وكله لا خير فيه، وفي تلك الفترة التي رفض فيها علم الكلام يظهر أنه اقتنع أن التصوف لا خير فيه، ولهذا فإنه أخذ يقرأ في كتب السنة، حتى ذكروا أنه مات وصحيح البُخَارِيّ على صدره، وهذه الأبيات التي قالها عندما لقي أبا بكر ابن العربي تنطبق عَلَى آخر مرحلة من حياته.

<<  <   >  >>