فقد أجمع العلماء على أن الله تعالى لم يُنْزِلْ من السماء إلى الأرض واعظًا أكبَر ولا زاجرًا أعظم من موعظة المراقبة والعلم، وهي أن يُلاحظ الإنسان أن ربه جل وعلا رقيب عليه، عالم بكل ما يُخفي وما يُعْلِن.
وضربَ العلماءُ لهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم مثلًا يصيرُ به المعقول كالمحسوس، قالوا: لو فرضنا ملكًا سفَّاكًا للدماء، قتَّالًا للرجال، شديدَ البطش والنكال، وسيَّافُه قائم على رأسه، والنطع مبسوط، والسيف يقطر دمًا، وحول ذلك الملك بناته وأزواجه، أيخطر في البال أن يهمَّ أحد من الحاضرين بريبة أو نيل حرام من بنات ذلك الملك وأزواجه وهو عالم به ناظر إليه؟ لا، وكلا، ولله المثل الأعلى، بل كل الحاضرين يكونون خائفين، خاضِعةً قلوبُهم، خاشعة عيونُهم، ساكنةً جوارحهم، غايةُ أمانيهم السلامةُ، ولا شك -ولله المثل الأعلى- أن الله جل وعلا أعظمُ اطلاعًا وأوسعُ علمًا من ذلك الملك، ولا شك أنه أعظم نكالًا وأشدُّ بطشًا وأفظعُ عذابًا، وحِماهُ في أرضه محارمُه، ولو علم أهلُ بلدٍ أن أميرَ البلد يُصبحُ عالمًا بكل ما فعلوه بالليل لباتوا خائفين وتركوا جميع المناكرِ خوفًا منه.
وقد بيَّن تعالى أن الحكمةً التي خُلق الخلق من أجلها هي أن يَبْتَلِيَهُم أي: يختبرهم {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧)} [الكهف / ٧]، قال في أول سورة هود:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[هود / ٧] ولم يقل: أيكم