ولما كان المجتمعُ لا يَسْلَمُ فردٌ من أفراده كائنًا من كان مِنْ مُناوِئ يُناوئُه ومُعاد يُعاديه مِنْ مجتمعه الإنسيِّ والجنِّيِّ.
ليس يخلو المرءُ من ضدّ ولو ... حاول العزلة في رأس الجبل
وكان كل فرد محتاجًا إلى علاج هذا الداء الذي عمت به البلوى = أوضحَ تعالى علاجه في ثلاثة مواضع من كتابه، بين فيها أن علاج مُناوأةِ الإنسيِّ هو الإعراض عن إساءته ومُقابلتها بالإحسان، وإن شيطان الجن لا علاج لدائه إلا الإستعاذة بالله من شره.
الموضع الأول: قولُه تعالى في أخريات الأعراف في الإنس: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف / ١٩٩]، وفي نظيره من شياطين الجن: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)} [الأعراف / ٢٠٠].
الموضع الثاني: في سورة المؤمنون قال تعالى في الآية: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٩٦)} [المؤمنون / ٩٦]، وفي نظيره الآخر: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)} [المؤمنون / ٩٧ - ٩٨].
الموضع الثالث: في فُصِّلَت، وقد زاد فيه تعالى التصريح بأن ذلك العلاج السماوي يقطع ذلك الداء الشيطاني، وزاد فيه أيضًا أن ذلك العلاج السماوي لا يُعْطَى لكل الناس، بل لا يُعطَاهُ إلا صاحبُ النَّصيب الأوفر والحظِّ الأكبرِ، قال فيه في الآية: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا