للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وإنما ذَكر جل وعلا في هذه الآية المنَّ والفِداء في الأسارى، فخص ذكرَهما فيها لأن الأمر بقتلهم والإذن منه بذلك قد كان تقدم في سائر تنزيله مكررًا، فاعْلَمَ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر في هذه الآية من المن والفداء - ما له فيهم مع القتل. اهـ. منه. وهو دليل على عدم الحصر في المن والفداء.

وتؤيد ذلك أدلةٌ معروفة: منها أن "المنَّ" و"الفداء" مصدران حكمهما حكم أسماء الأجناس الجامدة، وإناطة الحكم بها لا مفهوم مخالفة لها على التحقيق عند جماهير العلماء، وهو الحق؛ لأنها من مفهوم اللقب وهو غير معتبر. فقولك: رأيت إنسانًا، لا يُفهم منه أنك لم (١) تر شيئا آخر غيرَه. وذِكر "المن "و"الفداء" في موضع لا يستلزم أنه لم يُذكر شيء آخر في موضع آخر.

وادعاء أن لفظة (إما) تقتضي الحصرَ في القسم بها دعوى باطلة بإجماع العقلاء، كما حرره علماء الجدل في مبحث تقسيم الكلي إلى جزئياته وتقسيم الكل إلى أجزائه، وعلماء المنطق في مبحث الشرطي المنفصل، وعلماء الأصول في مبحث السَّبر والتقسيم. والمعروف أن الحصر لا يكون إلا بأحد طريقين لا ثالث لهما. وهما:

١ - العقل. ٢ - الاستقراء. لا ثالث لهما البتة.

فالحصر العقلي: كقولك: المعلوم إما موجود، وإما ليس بموجود. فهذا حصر عقلي؛ لأن العقل الصحيح يمنع وجود واسطةٍ بين الشيء


(١) ط: "لا" ولعله ما أثبت.

<<  <   >  >>