الْعَالمِينَ (٢٣)} [الشعراء / ٢٣] = مكابرةٌ وتجاهل، بدليل قوله:{قَال لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}[الإسراء / ١٠٢] الآية، وقوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل / ١٤]، ولهذا كان القرآن ينزل بتقرير هذا النوع من التوحيد بصيغة استفهام التقرير، كقوله:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}[إبراهيم / ١٠]، وقوله:{قُلْ أَغَيرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ}[الأنعام / ١٦٤] وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}[الرعد / ١٦] ونحو ذلك لأنهم يقرون به.
وهذا النوع من التوحيد لم ينفع الكفار لأنهم لم يوحدوه جل وعلا في عبادته، كما قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف / ١٠٦]، {مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر / ٣]، {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ}[يونس / ١٨] الآية.
النوع الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته، وهو الذي وَقَعت فيه جميع المعاركِ بين الرسلِ والأمم، وهو الذي أُرْسلَت الرسل لتحقيقه، وحاصلُه هو معنى لا إله إلا الله، فهو مبنيٌّ على أصلين: هما النَّفيُ والإثبات من: (لا إله إلا الله) فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادة كائنة ما كانت، ومعنى الإثبات منها: هو إفراده جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادة على الوجه الذي شرع أن يُعبدَ به، وجُلُّ القرآن في هذا النوع:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل / ٣٦]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)}