أما إهانةُ الرجل من يعتقد وجوب كرامته كالوالدين ونحوهما؛ فلأنه لم يُهن من كان الانقياد له والإكرام شرطًا في إيمانه، وإنما أهان من إكرامه شرطٌ في بره وطاعته.
وجانب الله ورسوله إنما كَفَر فيه؛ لأنه لا يكون مؤمنًا حتى يصَدِّق تصديقًا يقتضي الخضوعَ والانقياد، فحيثُ لم يقتضِه لم يكن ذلك التصديقُ إيمانًا.
أما جواب الشبهة الثانية فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يلزم على قولهم هذا أن من تكلَّم بسائر أنواع الكفر والتكذيب والجحود يجوز أن يكون مؤمنًا في نفس الأمر! وهذا لا يقوله إلَّا من خلعَ رِبْقة الإسلام من عُنقه.
ثانيها: أن الذي عليه أهل السنة والجماعة أن ما في القلب من المعرفة لا ينفع العبدَ ما لم يتكلَّم بالإيمان، فالقولُ من القادر عليه شرطٌّ في صحة الإيمان، فأهل السنة مطبقون أن الإيمان قولٌ وعملٌ.
فالمعنى: أن من تكلّم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ من الله وله عذابٌ عظيم، وأنه كافر بذلك إِلا من أُكْرِه وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرًا من المُكْرَهين فإنه كافرٌ أيضًا، فصار كلُّ من تكلَّم بالكفر كافرًا إلا من أُكْرِه، فقال بلسانه كلمةَ الكفر، وقلبُه مطمئن بالإيمان.