فإذا تقرَّر ذلك؛ فالسبُّ إهانة واستخفاف، ومُحالٌ أن يُهينَ القلب أو يستخف بمن انقاد له وخَضَع واستسلم، فإذا حصل في القلب استخفافٌ واستهانة امتنع أن يكون فيه إيمان. وهذا بعينه كفر إبليس، إذ هو لم يُكذِّب خبرًا، ولكنه لم ينقد للأمر بل استكبر عن الطاعة.
قال شيخ الإسلام: وهذا موضع زاغ فيه خلقٌ من الخَلَف!
فإذا تقرَّر أنه لا بدَّ من اجتماع التصديق بالخبر والانقياد للأمر الذي هو موجبُ التصديق ومقتضاه وثمرتُه، فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذِّب له أو ممتنع عن الانقياد لربِّه، وكلاهما كفر صريح. ومن استخفَّ به واستهزأ بقلبه امتنع أن يكون منقادًا لأمرِه، فالانقياد إجلال وإكرام والاستخفاف إهانة وإذلال، وهما ضِدان، فمتى حصل في القلب أحدُهما انتفى الآخر، فَعُلِمَ أن الاستخفاف والاستهانة والسبّ تنافي الإيمان منافاة الضدِّ للضدِّ.
الثالث: التفريق بين من يفعلُ الذنبَ تشهِّيًا من غير معاندة أو جحودٍ أو استكبار، وبين من يفعله جُحودًا ومعاندةً.
ثم الامتناعُ والإباءُ من الفعل إما لخللٍ في اعتقاد حِكْمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفةٍ من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدِّق به تمرُّدًا أو اتباعًا لغرض النفس، وحقيقته كفرٌ. هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكلِّ ما أخبر به ويصدِّق بكلِّ ما يصدِّق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويُبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومُشْتهاه، ويقول: أنا لا أقرُّ بذلك ولا ألتزمه، وأُبغض هذا الحق وأنفر عنه. فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلومٌ بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد.