إكرامه، كما يترك ما يعتقد وجوب فعله، ثم رأوا أن الأمة قد كفَّرت السابّ، فقالوا: إنما كَفر لأن سبَّه دليل أنه لا يعتقد أنه حرام، واعتقاد حلِّه (أي: السبّ) تكذيب للرسول فكَفَر بالتكذيب لا بالإهانة، والإهانةُ دليل التكذيب، فإذا فُرِض أنه في نفس الأمر ليس بمكذِّب كان في نفس الأمر مؤمنًا، وإن كنَّا نحكم عليه بالظاهر. فهذا مأْخَذ المرجئة والكرّامية.
٢ - وللجهمية مأْخَذٌ آخر، وهو أنه (أي: الساب) قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فإذا كان فيه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار خلاف ذلك بلسانه في الباطن.
وجواب الشبهة الأولى من وجوه:
الأول: أن الإيمان أصله تصديق القلب، وهذا التصديق لا بد أن يُوْرث حالًا له وعملًا، وهو تعظيمُ الرسول وإجلالُه ومحبتُه، وذلك أمر لازم كالتألُّم والتنعُّم عند الإحساس بالمؤلم والمنعم، كالنُّفْرة والشهوة عند الشعور بالملائم والمنافي. وإن لم تحصُل هذه الحال لم ينفع ذلك التصديق شيئًا. وإنما يمنع حصوله وجودُ المعارِض من حَسَد الرسول أو التكبُّر أو نحوه، بل يكون ذلك المعارِض موجبًا لعدم المعلولِ الذي هو حال القلب، فيزول التصديق الذي هو العلَّة، فيذهب الإيمان بالكلية من القلب، وهذا الموجب لكفر من حَسَد الأنبياء أو تكبَّر عليهم.
الثاني: أن يقال: كلامُ الله خَبَر وأَمْر، فالخبر يستوجب التصديق، والأمر يستوجب الانقياد والاستسلام، فإن حصل التصديق والانقياد حصلَ أصلُ الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار.