العارضة تأثيرها الفعال، فكان التشتت والتشعب. وازداد بطول المدة، وبعد الاتصال بين الفروع والأصول، حتى ضعفت دلائل الاتصال وازدادت ضعفًا على تطاول العهد.
ونستدل على ذلك:
أولًا: إننا نجد الطفل قبل أن يفهم اللغة يحاول إطلاق الأسماء للدلالة على مسمياتها ولا علم له بما وضع لها من الأسماء، فيسميها بالمقاطع المشابهة لأصواتها كما يطلق على البقر اسم "النع" وعلى الجمل اسم "الهب" وعلى الكلب اسم "العو" أو "التوتو""من الصوت الذي يدعى به -تي تي-" وعلى المعزى "المآء" - "بالمد" - وعلى ما يخفيه من غول ونحوه "الهم" وما هي إلا أشباه أصوات هذه المسميات.
فلم لا نقول في الإنسان أول عهده بالكلام مثل هذا أو ما يقرب منه؟
ثانيًا: إذا أغلق على المستدل باب الدليل الحسي في أمر يريد الاستدلال به، صح له المصير إلى التمثيل والقياس بالاشتباه والنظائر. وهذا الرأي يجري فيه قياس التمثيل بتطور الكتابة التي هي اقرب شيء إلى التكلم من حيث الغاية. وقد دلت الآثار لدلالة يحس بها على تطورها فتقول:
أثبت الباحثون ودلت الآثار على أن الكتابة بدأت بتصوير الوقائع ثم اتسعت الحال وكثرت الحاجة إلى الكتابة، فأصبح تصوير الوقائع أمراض عسيرًا لا يفي بالحاجة، فصنفت المقاطع الصوتية وكانت حروفًا تتدرج مخارجها من أقصى الحلق غلى الشفتين، وجعل لكل حرف صورة، فبعد أن كانت تصور صورة الجمل للدلالة على معناهـ، أصبحت الصورة رمزًا لمقطع الجيم الذي هو أول حروفه، ثم اتسعت الحاجة فاختصرت رسوم الكتابة، وأبحتن صورة رأس الجمل للدلالة على مقطع الجيم، ثم تقدمت الكتابة واتسعت صورها، واختلف باختلاف الزمان والمكان وتصاريف الأحوال، فتغيرت عن وضعها، وتباينت صورها باختلاف الشعوب وتفرقها واختلاف عاداتها. فكما أثبت الباحثون في الكتابة، نقول في اللغة أيضًا: إنها بدأت طبيعية بحكاية الأصوات، للدلالة على ما تصدر منه مما له صوت مثل: قط للقطع، وهف لهبوب الريح، والصهيل والنهيق والأطيط .. أو بحكاية ما يناسبها، مما ليس بله صوت ... أو بإحداث مقاطع صوتية مرتجلة، من غير تعمل، ـ قالها بعض فتبعه آخرون سمعوه، فشاعت فاستقرت.
ثم إنه كان للإنسان أصوات تدل على حالات النفس: فللجوع والعطش وللنجدة وللحرب وللسرور وللحزن ولغيرها مقاطع أو أصوات شبه المقاطع تدل عليها، فأشبه هذا تصوير الوقائع في الكتابة أي انه كان على البساطة الفطرية.
ثم اتسعت الحال باتساع الحاجة، فاحتاج الإنسان، مع اتساع تمدنه، إلى زيادة في التفاهم مع