وقال جلازر ومولر:"إن المعينيين أول دول العرب في اليمن، أصلهم من عمالقة العراق الذين كانوا في الجزيرة قبل ظهور حمورابي بقرون من السنين، فلما ذهبت دولة العمالقة من العراق نزحوا إلى اليمن، واستقروا وتوطنوا الجوف، وشادوا القصور والمحافد على مثل ما عرفوا في بابل.".
ضرب العرب في طول الجزيرة وعرضها، وأصبحت البادية من اليمن إلى أقصى الجزيرة شمالًا مسرحًا للقبائل الأخرى الذين سموا عرب الشمال، وأطلق عليهم بعد هذا اسم العدنانيين، وهم أشد الناس حرصًا على لغتهم. وهكذا كانت الجزيرة كلها عربية، وموطنًا أول للعرب وللغتهم الفصحى.
زمن ظهور العرب:
قدر العالم نولدكى في كتابه "اللغات السامية": "أن العربية الحميرية قد عرفت منها نقوش وآثار يرجع عهدها وتاريخها إلى القرن الثامن قبل المسيح، وأن العربية العدنانية، لغة النثر والشعر الجاهليين، قد ظهرت في القرن الخامس قبل المسيح.".
إن الآثار التي ظهرت من القرن الثامن ق. م كانت بالطبع لقوم وجدوا قبل هذا التاريخ، وهم ذووا آثار تصلح لأن تخلد، وربما كان لهم قبلها آثار لم تظهر بعد. ولذلك لا نقدر أن نستنتج من هذا القول زمن ظهور العرب، والذي يمكن أن نقوله إنهم وجدوا قبل هذا التاريخ طبعًا. والدولة المعينية عرفت قبل المسيح بنحو خمسة عشر قرنًا، ولا يخالف أحد من المؤرخين في عدها من العرب.
يقول نولدكى:"إن العربية العدنانية ظهرت في القرن الخامس ق. م، وهي التي وصلت إلينا والتي نزل بها القرآن، وتلقاها أئمة اللغة عن عرب البوادي بعد المسيح بستة قرون." فإن أراد أنها هي بلا تغيير ولا تبديل ولا تطور فهو محل نظر. وأستبعد أن يكون هذا مراده، لأن معناه أنها عصمت من التغيير والتبديل أحد عشر قرنًا انتهت بظهور الإسلام. وهذا ليس من المستطاع إثباته. ولا يعترض معترض بأن لغة القرآن ما زالت ثابتة لدينا أربعة عشر قرنًا، لم تتغير ولم تتطور في دفاتر الكتاب وعلى ألسنة الشعراء، لأنها تغيرت حيث يجري التغيير، وذلك في ألسنة العامة وتعابيرهم حتى بعدت العامية عن الفصحى بعدًا ظاهرًا لا جدال فيه.
أما الذي لم يتغير ولم يتبدل ولم يتطور منها فهو ما حفظه الكتاب والسنة، وحرص عليه الشعراء والخطباء والعلماء. وليس للعرب العدنانيين قبل الإسلام مثل ذلك، فالقياس إذًا قياس مع