الفارق، إن حفظ لغة القرآن والحديث من الأمور اللازمة، في الشرع الإسلامي؛ وهذا اللزوم يقوم سدًا دون إهمالها، فتبقى حية ما بقي هذا اللزوم.
خضوع العرب لناموس التطور:
قال في المزهر عن ابن وجدة: إن العرب أقسام:
١ - عاربة عرباء: وهم الخلص. وهؤلاء تسع قبائل من ولد إرم بن سام: عاد، وثمود، وأميم، وعبيل، وسطم، وجديس، وجرهم، وعمليق، ودبار. وقال ابن دريد: وقد انقرض أكثرهم إلا بقايا متفرقين في القبائل؛ وسمي أبو الفداء هذا القسم بالعرب البائدة.
٢ - متعربة: وهم الذين ليسوا بخلص، وهم بنو قحطان، وسماهم أبو الفداء بالعرب العاربة، ومن قبائلهم: كهلان وأبناؤها القبائل من ذوي يمن: كعاملة وهمدان وطيء ولخم ومذحج وجذام، ومثل حمير وأبنائها من قضاعة، وزيد الجمهور والسكاسك وأفخاذها وعشائرها.
٣ - مستعربة: قال ابن دقية: وهم بنو إسماعيل، وهم العدنانيون وأبناؤهم من ربيعة ومصر وأنمار وإياد.
وهذا التقسيم يشمل العرب كلهم جنوبيين وشماليين. وسواء أكانت هذه الأسماء كلا أو بعضًا، حقائق، كما هو الواقع، أو أساطير، كما يزعمه البعض؛ فهل كانت لغة هذه القبائل وغيرها، منذ وجد العرب، ذات لهجة واحدة أو لهجات مختلفة؟
وقد روي عن عاد وثمود بعض أبيات من الشعر لا تطمئن النفس إلى صحة نسبتها إليهم. وليس في كلام علماء العرب ما يصح الاستناد إليه في هذا الأمر. فلم يبق أمامنا، من طرق الاستنتاج المبني على الأشباه والنظائر، غير ما اكتشفه الباحثون في آثارهم من النقوش الأثرية.
تقدم لنا القول في بحث تغيير اللغات وتطورها، أن التغيير والتطور سنة ثابتة وناموس مطرد، وأنه اشمل لكل اللغات فيما يشمل ويعم. وقد تقادم العهد على قبائل العرب المتفرقة بما يعد بمئات السنين قبل تدوين اللغة العدنانية. وليس للغة من لغاتهم تقليد يصونها من التغيير والتطور، ويحفظ لها صورتها الأصلية الأولى، كمنا هو الحال في اللغة العدنانية. وقد عرفنا أن لغتنا الفصحى هذه مع مزيد عناية العلماء بها، خلفًا على سلف، ومع شدة حرصهم عليها، لم تصف في ألسنة العامة، فانحرفت عنها لغة التخاطب، ومشت في انحرافها هذا إلى أن بلغت مبلغها اليوم من البعد، فكيف بتلك التي لم تسعد بما يوجب حفظها وصونها؟ فلا ريب، والحال هذه، في أن لغة هذه القبائل البائدة ليست كاللغة المصرية العدنانية المدونة.