هند، فاعفو عما سلف عفا الله عنك - وكانت قد لاكت كبد عمه حمزة بعد استشهاده في أحد -.
قال: ولا تزنين. قالت: وهل تزني الحرة؟ قال: ولا تقتلن أولادكن. قالت: ربيناهم صغارا، وقتلتهم في بدر كبارا، فأنت وهم أعلم. فضحك عمر حتى استلقي. قال: ولا تأتين ببهتان تفتريته بين أيديكن وأرجلكن، قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل. قال: ولا تعصينني في معروف. قالت: ما جلسنا هذا المجلس، ونحن نريد أن تعصيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: بايعهن واستغفر لهن الله".
فها هو القائد الأول، ومعلم البشرية يصغي لهند، ولا ينهرها، ولا يعنفها، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على مدى احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي المرأة، وحقها في المناقشة والحوار.
وقد روت كتب السيرة عن فصاحة وبلاغة المرأة شيئا كثيرا، فقد روي أن عمر بن الخطاب قد ساءه مغالاة الناس في مهور بناتهم، فصعد المنبر وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: لا أعرف من زاد في الصداق على أربع مائة درهم؟ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصداق فيما بينهم أربع مائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله، أو مكرمة لما سبقتموهم إليها، ثم نزل المنبر، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين: نهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهم على أربع مائة؟ قال: نعم. قالت: أما سمعت الله يقول في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ قالت: قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء: ٢٠] قال عمر: اللهم اغفر، كل الناس أفقه من عمر. وقال - قولته المشهورة -: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
فهذا أمير المؤمنين رغم مكانته وهيبته عند المسلمين يصغي إلى نصح امرأة ويعترف بخطأه وبصحة قولها، وهذا من تمام العقل والحكمة، ويدل على مدى الاحترام والتقدير الذي كانت تحظى به المرأة في صدر الإسلام.