عندما تداعي محور الكفر على الإسلام وأهله، وأخذوا زمام المبادرة في قيادة البشرية، ارتفعوا بما في مجال التقدم العلمي، والحضارة المادية، إلا أن البشرية وقفت على حافة الهاوية بسبب إفلاسها في جانب الدين والأخلاق، وظهر الفساد في البر والبحر، وعرف الأعداء الذين درسوا تاريخنا وحقائق حياتنا، أن سر عظمتنا هو إسلامنا وعقيدتنا الربانية، التي ترقي بنا عن بريق الدنيا ومتاعها الزائل؛ لذا عمدوا إلى استلال مفاهيم العقيدة السليمة من قلوبنا، بالحكمة حينا وبالمكر والخداع حينا آخر، وبتخطيط ماكر استطاعوا أن يسلخوا المسلمين عن دينهم، وذلك بإقناع السذج منهم أن الإسلام تحفة قديمة، غالية الثمن إلى حد أنه يصعب استخدامها في هذا الزمن الأهوج، ولا بد من حفظ تلك التحفة على أجمل الرفوف، وفي أفخم الخزائن البلورية، تريك كل شيء لكنك لا تستطيع لمسها. وبهذه الصورة الرائعة من الخداع أبعدوا المسلمين عن شرعهم العظيم وعقيدتهم الصحيحة.
وقد أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطر الذي يتهدد المسلمين إذا ما ابتعدوا عن دينهم وعقيدتهم. فقد روى أبو داود، عن ثوبان رضي الله عنه - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله؛ وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
وأصبح حال المسلمين، كما قال الشاعر:
أني نظرت إلى الإسلام في بلد... رأيته كالطير مقصوصا جناحاه
وفي هذا الجو المشحون بالفوضي نشأ جيل مسلم، وجد الطريق، ولكنه تخبط وتعثر في خطواته، ولم يتعلم من كبواته كيف يقف ويصحح المسيرة، ويعترف بالخطأ، ويحدد العزم، ويمضي من جديد، فها نحن نرى الشباب الحائر الضائع، لاهثا وراء الشهوات، وقد ملئت بهم جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا، وصارت كأنها مسرح يتسابق فيه الشباب